الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

هل تعيد روسيا "شرعنة الغزو" بعد 80 عاماً على حظره؟

القوات الأوكرانية تصد هجوما روسيا سابقا المصدر: رويترز

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح إجبار الدول على التنازل عن أراضيها بعد الحروب أمرًا محظورًا دوليًا، وضمنت الأمم المتحدة عبر ميثاقها منع الاستيلاء على أراضي دولة عضو بالقوة العسكرية. 

ومع ذلك، يثير الغزو الروسي لأوكرانيا تساؤلات حول مدى الالتزام بهذا المبدأ، حيث يُطرح السؤال باستمرار: هل يمكن أن تُضطر أوكرانيا إلى التنازل عن أراضٍ كجزء من تسوية مؤقتة أو نهائية لإنهاء الحرب؟

خطاب ترامب والتنازلات الإقليمية

لطالما أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أن هذه ستكون نتيجة طبيعية، مؤكداً ضعف أوكرانيا في أوراقها خلال محادثاته مع زيلينسكي في البيت الأبيض الشهر الماضي، حين أخبره أنه "لا سبيل لاستعادة شبه جزيرة القرم"، التي تحتلها روسيا منذ العام 2014.

في وقت لاحق، قال ترامب مازحًا إن دافعه هو «الوصول إلى الجنة»، لكنه في الواقع أبدى تقاربًا مع عدد من المسؤولين الروس، بينهم سيرغي لافروف، بشأن فكرة تقديم تنازلات إقليمية، وفقًا لموقع "The Conversation".

أخبار ذات علاقة

العلمان الروسي والأوكراني على طاولة المفاوضات

روسيا وأوكرانيا بين هدنة مستحيلة وحرب بلا أفق.. من يملك ورقة الحسم؟

ويستند هؤلاء إلى تاريخ مليء باتفاقيات سلام غيّرت الحدود. إلا أن الواقع القانوني والدولي الحديث يرفض مثل هذه الفكرة؛ فالاستحواذ على الأراضي بالقوة أصبح محرمًا منذ تأسيس الأمم المتحدة العام 1945، ولم تُسجَّل حالات دولية واضحة تقبل تنازل دولة عضو عن أراضٍ مستقلة بعد غزو أو حرب.

من الماضي إلى الحاضر

حتى أوائل القرن العشرين، كانت التنازلات الإقليمية أمرًا شائعًا بعد الحروب، معتمدة على روايات عن حقوق تاريخية أو حدود قديمة أو ما يسمى بـ"القوة الحاكمة". 

ومن أبرز الأمثلة التاريخية معاهدة غوادلوب-هيدالغو بعد الحرب المكسيكية الأمريكية (1846-1848)، التي أجبرت المكسيك على التنازل عن 55% من أراضيها، بما في ذلك: كاليفورنيا، وأريزونا، ونيو مكسيكو، وأجزاء من تكساس وغرب كولورادو.

كما أشار الأكاديميان أونا هاثاواي وسكوت شابيرو من جامعة ييل إلى أن أكثر من 150 عملية احتلال إقليمي وقعت حول العالم قبل الحرب العالمية الأولى، وكانت تُعد قانونية وسليمة لحل النزاعات الدولية.

أخبار ذات علاقة

رئيسة المفوضية الأوروبية وترامب

من أجل أوكرانيا.. فون دير لايين وترامب يبحثان زيادة الضغط الاقتصادي على روسيا

لكن بعد 1945، حدث تحول جذري في المعايير الدولية. حتى التغييرات الهائلة في أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، مثل نقل بولندا غربًا على حساب ألمانيا أو ضم دول البلطيق من قبل الاتحاد السوفييتي، تمت ضمن اتفاقيات معقدة بين القوى الكبرى مثل مؤتمري يالطا وبوتسدام، ولم تُعتبر قاعدة يمكن تكرارها.

المحرمات القانونية الحديثة

حدد الميثاق الأممي بوضوح منع استخدام القوة ضد “سلامة أراضي أو استقلال” أي دولة عضو، كما عزز قرار مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب 1967 هذا المبدأ، رافضًا أي استيلاء على الأراضي بالقوة. 

ومن هنا، رفض المجتمع الدولي حتى الضم الإسرائيلي لأراضٍ فلسطينية محتلة، رغم بعض الاستثناءات المحدودة مثل اعتراف الولايات المتحدة بضم مرتفعات الجولان العام 2019.

عمليًا، الحالات القليلة التي قوبلت بالقبول الدولي كانت استيلاءات على أراضٍ كانت تحت الاستعمار سابقًا، مثل استيلاء الهند على غوا من البرتغال أو ضم بعض مناطق في أفريقيا وآسيا بعد الاستقلال.

أما معظم حالات الاستيلاء الأخرى، مثل ضم المغرب للصحراء الغربية أو استيلاء إندونيسيا على تيمور الشرقية، فقد قابلها المجتمع الدولي برفض واسع أو نقد شديد.

غزو روسيا لأوكرانيا

قبل غزو 2014، لم تكن هناك خلافات كبيرة بين روسيا وأوكرانيا على الحدود، بل وُقّعت معاهدة حدودية العام 2003 أكدت عدم وجود مطالب إقليمية روسية؛ وبعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم و 4 مناطق أخرى في جنوب شرق أوكرانيا، رفض معظم أعضاء الأمم المتحدة هذا الاستيلاء.

أخبار ذات علاقة

قوات روسية في القامشلي

تدريبات عسكرية ودوريات.. روسيا تعزز نفوذها في مناطق "قسد" بضوء أخضر تركي

على الرغم من ذلك، خفّ الغضب الدولي بمرور الوقت، حيث اتهمت بعض الدول الولايات المتحدة بـ"ازدواجية المعايير"بعد غزو العراق العام 2003. وزادت تصريحات ترامب حول الاستيلاء على أراضٍ مثل غرينلاند وكندا وغزة من ضعف الثقة الدولية في الموقف الأمريكي تجاه الغزو الروسي.

عالمة السياسة تانيشا فازال ترى أن السماح لروسيا بالاحتفاظ بأراضٍ أوكرانية سيشكل ضربة قاضية للقاعدة الدولية الرافضة للغزوات الإقليمية.

ينادي بعض المعلّقين بتسوية مؤقتة تسمح لروسيا بالسيطرة على الأراضي المحتلة دون اعتراف رسمي من أوكرانيا، مع تأجيل التسوية النهائية. لكن هذا المقترح يشبه الاعتراف بحكم الواقع، وهو مفهوم خاطئ: فالوضع الراهن الجديد ليس قانونيًا، ولا يمثل حلًا دائمًا.

الحرب فرضت واقعًا وحشيًا على الأراضي المحتلة، بما في ذلك: التعذيب، والقتل، والاختفاء القسري، ونقل السكان، ونهب الممتلكات. الهوية الأوكرانية واللغة والثقافة تواجه محاولات محو ممنهجة تحت النظام القمعي الروسي.

أخبار ذات علاقة

مجندون بولنديون

خطة احتياط على الطراز الإسرائيلي.. كيف تستعد بولندا للحرب مع روسيا؟

تبدو أوكرانيا مستعدة لقبول وقفٍ مؤقتٍ لإطلاق النار لوقف إراقة الدماء، لكنها تؤكد أن سلامة أراضيها غير قابلة للمساومة، مشددة على ضرورة استمرار العقوبات الاقتصادية على روسيا، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، واستعادة الممتلكات المنهوبة، وعودة النازحين، إضافةً إلى تعزيز قدراتها الدفاعية لمنع أي هجوم جديد.

وأي تنازل عن الأراضي المحتلة، اليوم، سيشكل انتكاسة تاريخية للقواعد الدولية التي سادت منذ الحرب العالمية الثانية؛ كما أن قبول أي شيء أقل من ذلك يعني تطبيع العدوان الإقليمي، وهو ما لا يستحق المكافآت السياسية أو الأخلاقية، ويهدد استقرار النظام الدولي القائم على القانون.

الحرب في أوكرانيا ليست مجرد نزاع إقليمي؛ إنها اختبار عالمي لقوة الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. والسؤال الذي يواجه المجتمع الدولي الآن: هل سيقف موقفًا حازمًا لحماية سيادة الدول المستقلة، أم سيسمح بتكرار “حق الغزوات” كما في القرن التاسع عشر؟

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC