بينما تتراجع احتمالات المواجهة العسكرية "الكبرى" بين الهند وباكستان، يتم الكشف عن أوراق أخرى للصراع، تميل لمصلحة نيودلهي أكثر من إسلام آباد.
وبعد أيام من تصعيد عسكري مقلق بالنسبة لدولتين نوويّتين، هدأت فرص الحسم العسكري، وهو ما سيدفع الهند نحو ممارسة سياسة "الضغوط القصوى".
ومن الأوراق التي تمتلكها نيودلهي الضغط على الدول المانحة لإسلام آباد، والتدقيق على مزاعم "تمويل الإرهاب" في سجلها، والضغط أكثر على اقتصادها، مع عدم إغفال الورقة الكبرى، سلاح الماء.
ويأتي استغلال الهند لأوراق الضغط، مع إدراكها أن التكتيكات السابقة للحد من "الإرهاب" بما في ذلك العمل العسكري المحدود، لم تكن كافية، خصوصاً مع الردع النووي وقدرات باكستان العسكرية التقليدية، ما يجعل خيارات الهند العسكرية محدودة نسبياً، وفق مجلة "فورين بوليسي".
ومنذ هجوم باهالغام، في 22 أبريل الماضي، فعّلت الهند أوراقها "غير العسكرية"، وكشفت عن ملامح خطتها طويلة الأمد ضد جارتها، متخذة خطوات عقابية بعضها غير مسبوق، إذ قطعت نيودلهي جميع الواردات من إسلام آباد، بما في ذلك التجارة العابرة لدول ثالثة، وأغلقت الحدود البرية الوحيدة بين البلدين، وعلقت العمل بمعاهدة مياه نهر السند، وهي اتفاقية لإدارة المياه العابرة للحدود، لأول مرة.
اقتصاد هش
اقتصادياً، ورغم أن التجارة بين نيودلهي وإسلام آباد محدودة، إلا أن الهند ستعمل على الضغط الاقتصادي لعزل باكستان، مع جهات عالمية فاعلة، خصوصاً أن الفوارق هائلة بين البلدين، فبينما من المتوقع أن تصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030، متجاوزة ألمانيا واليابان، فإن باكستان لا تزال تعاني من مشكلات هيكلية في اقتصادها، تتطلب إصلاحات شاملة للخروج من حلقة الأزمات المتكررة. ما يعني أن أي ضغط اقتصادي إضافي قد تدفع به نيودلهي على إسلام آباد، قد يزيد من هشاشة اقتصاد باكستان، المتأثر باضطراباتها السياسية، وهي التي تواجه نمواً متواضعاً لا يتجاوز 2.6% في 2024 و3.6% في 2025.
تعد ورقة المياه "الأخطر" التي تملكها نيودلهي، وقد سارعت للتلويح بها فور بدء التوتر العسكري منذ أسابيع، عندما توعد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بقطع مياه الأنهار التي تنبع من أراضي بلاده وتروي باكستان.
وبالفعل علقت الهند معاهدة مياه نهر السند مع باكستان، حيث كانت المعاهدة المبرمة قبل 65 عاماً تعتبر نجاحاً دبلوماسياً نادراً بين الخصمين النوويين اللذين خاضا حروباً عدة.
ومن شأن تلك الخطوة التصعيدية أن تؤثر على إقليم البنجاب الذي يقطنه نحو نصف سكان باكستان البالغ عددهم 240 مليوناً، وهو الذي يعد القلب النابض للقطاع الزراعي في البلاد.
وينبع نهر شيناب من الهند لكن تم منح باكستان السيطرة عليه بموجب معاهدة مياه السند الموقعة في 1960. وغداة تعليق الهند مشاركتها في المعاهدة، حذّرت إسلام آباد من أن المساس بأنهرها سيعتبر "عملاً حربياً".
تمتلك الهند التي تسجّل حضوراً دولياً متنامياً، مقابل غرق باكستان في أجواء سياسية داخلية مشحونة منذ سنوات، وهو ما يمنح نيودلهي إمكانية تكثيف الضغوط الدولية على إسلام آباد لوقف "الهجمات الإرهابية" على الحدود، وإخضاع سجلها ومزاعم دعمها لجماعة متطرفة لتدقيق أممي أكبر.
وبينما يذهب الصراع العسكري بين البلدين بعد أربع سنوات من "هدوء نسبي"، إلى جمود تام، فإن باكستان أكثر عرضة لأن تُستهدف باكستان بحملة ضغط متعددة الجوانب تهدف إلى كبح جماح تهديد عانت الهند من أجل ترويضه.