عشية مؤتمر السلام في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية المقرر عقده، الخميس، في العاصمة باريس، لا تزال الأسلحة تتحدث في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بينما تكافح الدبلوماسية لمواكبة الصراع.
وتفقد المبادرات الدبلوماسية زخمها مع استمرار القتال بين القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية ومتمردي حركة 23 مارس (إم 23) على الرغم من التوصل مؤخرا إلى آلية لوقف إطلاق النار، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية، ما يضع مؤتمر باريس أمام تحدٍّ سياسي وإنساني.
وعلى بُعد آلاف الكيلومترات من العاصمة الفرنسية، لا يهدأ دوي الأسلحة، فمنذ ساعات الصباح الأولى من يوم أمس الثلاثاء، تتواصل الاشتباكات على عدة جبهات في منطقتي ماسيسي وواليكالي، بمقاطعة شمال كيفو، بين حركة إم 23 والقوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى حلفائهما.
يأتي ذلك عقب أسبوعين من اختتام آلية مراقبة وقف إطلاق النار والتحقق منها في الدوحة، حيث يتبادل الجانبان حاليا الاتهامات بالمسؤولية عن تصعيد الاشتباكات على الأرض.
وعبر صفحات منصات التواصل الاجتماعي، اتهم أحد أبرز ممثلي حركة إم 23 في المفاوضات مع الحكومة الكونغولية، وهو بنيامين مبونيمبا، كينشاسا بـ"تخريب" المحادثات التي كان من المفترض أن تُختتم في أغسطس آب بتوقيع اتفاق سلام شامل.
وقد أدى تأجيل الموعد النهائي عدة مرات متتالية إلى تأخيره، في حين لا تزال المناقشات مستمرة، وإن كانت بصعوبة، وفقًا لمصادر على صلة بالملف.
وفي تصريحات له قال المتحدث باسم القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية الجنرال سيلفان إكينجي، إن "الجيش لن يسكت على الاستفزازات".
وأضاف: "يزعمون (حركة إم 23) أننا قصفناهم. هم من يستفزوننا، ونحن من نرد عليهم. لن ندعهم يفلتون من العقاب".
وبعد أربعة أشهر من توقيع اتفاقية السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في واشنطن في 27 يونيو حزيران 2025، لا يزال تنفيذها جزئيًّا.
وكشف تقرير حديث صادر عن "باروميتر اتفاقيات السلام الأفريقية" أنه من بين المهام الثلاثين المحددة، لم يبدأ تنفيذ سوى 17 مهمة فقط.
وبالنظر إلى المهام المنجزة جزئيًّا فقط، يصل معدل الإنجاز إلى 38%، وهو انخفاض طفيف مقارنةً بالفترة في نهاية أغسطس آب 2025، حيث بلغ المعدل 41%..
ويتضمن الملحق الأمني لاتفاق واشنطن خطة عملياتية لتحييد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، فضلا عن أحكام تتعلق بـ"رفع التدابير الدفاعية" من جانب رواندا، والتي يظل تنفيذها بطيئا وجزئيًّا.
أما عملية الدوحة التي تُمثل القناة العملية الوحيدة للحوار بين كينشاسا وحركة إم 23، فتسعى الآن إلى تعويض الوقت الضائع، في ظل جوٍّ من انعدام الثقة المتجذر.
في يوليو تموز، وقّعت كينشاسا وحركة إم 23 إعلان مبادئ، وهو خارطة طريق نصّت في البداية على بدء المفاوضات في موعد أقصاه 8 أغسطس آب، وإبرام اتفاق سلام قبل 18 أغسطس، وهو جدول زمني لم يُلتزم به إلى حدٍّ كبير.
وبحسب مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك، فقد نُشر في أكتوبر تشرين الأول الجاري تقرير حمل عنوان "هل يمكن التوصل إلى اتفاق سلام في الدوحة؟"، أوضح أن عمليتي الدوحة وواشنطن مترابطتان بشكل وثيق، إذ يعتمد نجاح إحداهما إلى حد كبير على تقدم الأخرى.
وعلى غرار اتفاق واشنطن، يضع مؤتمر باريس التعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي ضمن الركائز الأساسية لعملية السلام في منطقة البحيرات العظمى.
ويتضمن انخراط إدارة دونالد ترامب في حل الأزمة، وعودا بالاستثمار الأمريكي في الاحتياطيات الغنية من المعادن الحيوية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، فضلاً عن مشاريع تجارية أخرى.
وبحسب وزارة الخارجية الفرنسية، فإن مؤتمر دعم السلام والازدهار في منطقة البحيرات العظمى، تحت رعاية باريس، يهدف إلى تعبئة المجتمع الدولي حول ثلاث أولويات، هي الاستجابة لحالة الطوارئ الإنسانية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ودعم جهود الوساطة القائمة، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي الذي يعتبر ضروريا للسلام الدائم.
كما يُنظَّم المؤتمر بالتنسيق مع وسيط الاتحاد الأفريقي في منطقة البحيرات العظمى توغو، ومن المتوقع أن يجمع نحو ستين دولة ومنظمة دولية.
وتضم قائمة المدعوين الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي، على الرغم من أن حضورهما لم يُؤكَّد بعد.
وجاءت المبادرة لعقد مؤتمر باريس بعد عدة تأجيلات مرتبطة بتدهور الوضع الأمني في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها فرنسا إلى لعب دور قيادي في مساعي السلام في منطقة البحيرات العظمى.
في سبتمبر أيلول 2022، جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نيويورك كلًّا من الرئيسين فيليكس تشيسكيدي وبول كاغامي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في محاولة لنزع فتيل أزمة حركة 23 مارس.