رئيس وزراء أستراليا: الحكومة ستتبنى إصلاحات للقضاء على الكراهية والتطرف
مع ختام محادثات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الصيني شي جين بينغ، يتجدد الجدل داخل واشنطن حول سؤال جوهري: هل تمتلك الولايات المتحدة القدرة على مجاراة الصين، بل والتفوق عليها، في سباق القوة والتكنولوجيا والإنتاج العسكري؟
وفي وقت تصف فيه وزارة الدفاع الأمريكية بكين بأنها "تهديد متسارع"، تتضح معالم تحوّل استراتيجي عميق يعيد صياغة أولويات الأمن القومي الأمريكي لعقود قادمة.
تحوّل توصيف الصين من "منافس صاعد" إلى "تهديد متسارع" إلى أحد أكثر المفاهيم تأثيرا في واشنطن منذ مطلع القرن الحادي والعشرين. فبحسب البنتاغون، تمثل بكين الدولة الوحيدة القادرة على تحدي الولايات المتحدة اقتصاديا وتكنولوجيا وسياسيا وعسكريا في آنٍ واحد.
هذا المفهوم لا يقتصر على الخطاب، بل أصبح المعيار الذي تُبنى عليه سياسات الدفاع والتصنيع العسكري الأمريكي. فكل دولار يُنفق وكل مشروع يُعتمد في وزارة الدفاع يُقاس بمدى فعاليته في مواجهة الصين.
ومع أن هذا التركيز يمنح وضوحا استراتيجيا، إلا أنه يحمل خطرا موازيا يتمثل في إهمال خصوم آخرين كروسيا وإيران وكوريا الشمالية، إضافة إلى الجماعات المسلحة التي ما زالت تشكل تهديدات غير متماثلة.
ويرى محللون أن الإفراط في التركيز على الصين قد يقود إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي، حين انشغلت الولايات المتحدة في سباق التسلح مع الاتحاد السوفييتي على حساب أولوياتها الداخلية؛ فالتحدي اليوم ليس فقط عسكريا، بل شاملًا للبنية الصناعية والاقتصادية التي تعتمد عليها واشنطن للحفاظ على تفوقها.
فجوة الصناعة الدفاعية
تكشف المقارنات بين القاعدتين الصناعيتين في بكين وواشنطن عن اختلال مقلق في ميزان الإنتاج العسكري؛ فالصين تبني السفن الحربية والصواريخ بوتيرة غير مسبوقة، بينما تعاني الولايات المتحدة من نقص العمالة وتراجع الطاقة الإنتاجية وأحواض بناء سفن متقادمة.
هذا الخلل لا يقتصر على الكمية فحسب، بل يمتد إلى سرعة الابتكار والتوسع في أوقات الأزمات، وهي المجالات التي تتفوق فيها الصين بوضوح.
ويرى الخبراء أن واشنطن لن تستطيع ردع بكين إلا إذا استعادت نموذجها الصناعي الذي جعلها “ترسانة العالم” خلال الحرب العالمية الثانية، وهو هدف يبدو بعيد المنال في ظل تعقيدات الديمقراطية الأمريكية، وتذبذب الأولويات السياسية، وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وما يزيد التحدي تعقيدا أن المنافسة لم تعد محصورة في الصلب والسفن، بل باتت تشمل مجالات الذكاء الاصطناعي، وتصميم الأنظمة، وتحليل البيانات، أي القوة الرقمية التي تعيد تشكيل مفهوم الردع في القرن الحادي والعشرين.
وتشير تقارير أمريكية إلى أن الصين تتفوق حاليا في معظم هذه المجالات الحيوية؛ ما يمنحها ميزة تسارع تكنولوجي يصعب اللحاق بها دون إصلاح جذري للمنظومة الصناعية الأمريكية.
في عصر "التهديدات المتسارعة"، لم تعد المنافسة بين واشنطن وبكين معركة حجم أو عدد، بل سباق على الزمن. تتفوق الدولة القادرة على الابتكار والتحرك والإنتاج بسرعة أكبر، وليس تلك التي تملك أكبر ترسانة من الأسلحة.
فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تطوير أسلحة تفوق قدرات الصين بحلول عام 2035، يحذر محللون من أن التحدي الحقيقي يكمن في الحاضر لا في المستقبل؛ إذ يجب على واشنطن أن تمتلك القدرة على الردع الفوري والتعامل مع الأزمات الراهنة قبل أن تتحول الفجوة الزمنية إلى نقطة ضعف استراتيجية.
ولذلك، فإن التفوق الأمريكي لن يتحقق بمضاهاة الصين "سفينةً بسفينة" أو "صاروخًا بصاروخ"، بل عبر استعادة سرعة التفكير والتنفيذ والإنتاج التي فقدتها خلال العقود الماضية؛ فالميزة الحقيقية تكمن في القدرة على اتخاذ القرار والتحرك في الوقت المناسب، وهو ما يبدو أن الصين تتقنه في ظل مركزية القرار وانسجام أدوات قوتها الوطنية.
سباق البقاء
تواجه الولايات المتحدة اليوم تحديا مركبا: كيف تحافظ على هيمنتها في عالم تتسارع فيه القوى المنافسة؟ فبينما تمتلك واشنطن الخبرة والموارد والتحالفات العالمية، فإن بكين تمتلك الزخم الصناعي والسرعة الاستراتيجية.
السباق بين القوتين لم يعد مسألة تفوق في القوة العسكرية فقط، بل معركة شاملة على الوتيرة، والإنتاج، والذكاء الصناعي، والمرونة الاقتصادية. وإذا أرادت واشنطن البقاء في الصدارة، فعليها أن تعيد بناء منظومتها الصناعية بالجرأة نفسها التي خاضت بها سباق الفضاء خلال القرن الماضي.
أما الفشل في ذلك، فسيعني دخول النظام الدولي مرحلة جديدة تُعيد تعريف موازين القوى — حيث لن تكون أمريكا بالضرورة اللاعب الذي يحدد قواعد اللعبة.