ما بين 1 أكتوبر تشرين الأول 2024 تاريخ الهجوم الإسرائيلي السابق على إيران، و12 يونيو حزيران 2025 تاريخ الهجوم الأخير، ثمانية أشهر لا أكثر، مدة لا تبدو طويلة زمنيًا في سياق الحرب الإسرائيلية على ما كان يسمى "محور الممانعة"، منذ اشتعال شرارتها عقب ما سمي "طوفان الأقصى".
لكن هذه الأشهر الثمانية حملت تغييرات هائلة بالنسبة لإيران التي خسرت كل أذرعها في المنطقة بشكل أو بآخر، بدءًا بحماس التي تنازع في القطاع المدمر، مرورًا بحزب الله الذي تم قطع رأسه بحرب أفقدته أي قدرة على الحركة والمبادرة، وصولًا إلى سوريا "الحلقة الذهبية" للمحور التي جاء سقوط نظامها مدويًا وكارثيًا على إيران، دون أن ننسى ميليشيا الحوثي التي أنهكت بضربات إسرائيلية أمريكية فلم تعد قادرة على أكثر من بيان دعم معنوي لإيران التي يبدو أنها الهدف الأخير في القضاء على المحور عبر ضرب رأسه في قلب طهران.
إذًا، هل كان كل ما سبق تمهيدًا لهذا اليوم؟ وهل باتت إيران عارية أمام الضربات الإسرائيلية، ومكشوفة بلا ذراع أو سند، وهي التي اعتمدت لأكثر من عقدين على أذرع الخارج لمنع وصول العدو إلى الداخل؟
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني علي حمادة يصف الهجوم الإسرائيلي على إيران بأنه "أكبر ضربة في تاريخ الصراع بين إسرائيل وإيران" مشيرًا في تصريحات لإرم نيوز إلى أن الضربة السابقة التي حصلت خلال أكتوبر 2024 كانت ضربة استهدفت عددًا من المقرات العسكرية، لا سيما الدفاعات الجوية من فئة "S 300"، ومعظمها كانت منتشرة لحماية العاصمة أو لحماية المنشآت النووية، حيث تم تدمير ثلاث بطاريات من أصل أربع تمتلكها إيران.
ويؤكد حمادة أن إيران لم تستطع حتى الآن إعادة بناء دفاعاتها الجوية بشكل يمنع إسرائيل من اختراق المجال الجوي الإيراني.
يقول حمادة إن الروايات التي بدأنا نسمعها ومن مصادرها الإسرائيلية، تشير إلى أن إسرائيل تمكنت من إنشاء دويلة داخل الدولة الإيرانية.
وأوضح بأنه "كان يقال في لبنان إن حزب الله هو دويلة داخل الدولة اللبنانية؛ لأنه يمتلك قواعد وقدرات عسكرية واستخباراتية، ويتحرك بشكل مستقل وبحرية كاملة على الصعيد الأمني والعسكري".
واليوم، وفقًا لحمادة "يبدو من خلال الرواية الإسرائيلية أن الإسرائيليين تمكنوا من إنشاء دويلة داخل إيران، عبر إقامة قواعد للمسيرات الهجومية وإقامة عدد من القواعد الأخرى التي احتوت على مراكز قيادة وسيطرة لإدارة عملياتها على الأرض".
وأضف إلى ذلك أن عددًا من الاغتيالات، خاصة الاغتيالات التي طالت العلماء النوويين الإيرانيين، جرى اغتيالهم بطرق تقليدية، أي عبر وسائل بشرية وعملاء تحركوا داخل طهران وداخل مدن أخرى لاستهداف بعض العلماء النوويين المرتبطين ربما بالبرنامج العسكري، وليس بالبرنامج النووي المدني، ويرى حمادة أن هذا التطور كبير جدًا.
يرى الكاتب والمحلل اللبناني أنه "ما من شك بأنه حتى الآن، وربما حتى لحظة هذه الضربة الكبيرة ضد قدرات وهيبة الحكم والسلطات الإيرانية، لم يدرك العالم ولا الإقليم حجم الخسارة التي منيت بها إيران من خلال خسارتها لسوريا، التي كانت تمثل الجسر والمعبر لإيران".
مضيفًا "كان يقال إن حزب الله هو جوهرة التاج الإيراني، لكن في الحقيقة بدأنا ندرك أن الجوهرة الحقيقية كانت سوريا، وعندما انقلب الوضع في سوريا انقلب الوضع في كل المنطقة، وانقلب الوضع على الإيرانيين حتى في الداخل الإيراني".
ويتابع "كنا نسمع في لبنان تقديرات منقولة وكلامًا منقولًا عن مسؤولين إيرانيين في العقدين الماضيين بأن الانسحاب من بيروت ودمشق وبغداد، والخروج من هذه العواصم الثلاث الرئيسة معناه الخروج من طهران نفسها، ما يعني أن هذه هي الدوائر الدفاعية الاستراتيجية والحيوية للسلطة والحكم في قلب طهران، واليوم يتحقق هذا الكلام".
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي السوري، مازن بلال، إنه رغم اختلاف الظروف السياسية بين الهجوم الإسرائيلي الأخير وما قبله على إيران، فإن طهران كانت وبقيت وحيدة في هذا الصراع، فتغير الحكم في سوريا لم يحول المسار؛ لأن النظام السوري السابق لم يكن مستعدًا لأي دخول في الصراع في السنوات الأخيرة.
ويضيف بلال في تصريحات لإرم نيوز، بأنه "منذ الهجوم الأول كانت هناك مؤشرات أن العراق وسوريا هي جبهة يتقاسمها الطرفان الإسرائيلي والإيراني، وهذا الأمر سيتطور سريعًا بعد هذا الهجوم" .
ويوضح بلال "ما يميز الضربة الأخيرة هو طبيعة التقنيات المستخدمة، فنوعية الحرب هي من النوع "السائل" إن صح التعبير، أي أنها حرب مسار سياسي لتغيير المنظومة الإقليمية عمومًا".
ويقرأ بلال ما يجري بأنه نهاية" لسايكس - بيكو"، ذلك أننا اليوم أمام إعادة رسم النفوذ العابر للحدود السياسية، حسب قوله، والهدف الذي بجري العمل عليه اليوم، هو إسقاط النظام الإيراني، بينما البرنامج النووي هو هدف موازي.
وختم الكاتب مازن بلال بالقول إن هناك تصورًا إسرائيليًا بأن عدم تغيير النظام في طهران سيعرقل إعادة رسم العلاقات في المنطقة.