رجح خبيران فرنسيان، أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دخل مرحلة جديدة في تعامله مع الجزائر، عنوانها "الحزم والمواجهة"، بعد سنوات من محاولة بناء علاقة قائمة على التهدئة والحوار التاريخي.
وأشار لـ"إرم نيوز"، إلى أن التطورات الأخيرة دفعت الإليزيه إلى تبني إجراءات توصف بـ"الرد العقابي"، في مؤشر جديد على تصاعد التوتر بين البلدين.
في تحول كبير وغير مسبوق في لهجته تجاه الجزائر، وجّه الرئيس ماكرون رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، يوم أمس الأربعاء، دعا فيها الحكومة إلى التحلي بـ"قدر أكبر من الحزم والعزم"، ردًا على ما وصفه بـ"الصعوبات المتزايدة" في العلاقات مع الجزائر، لا سيما في ملفي الهجرة والأمن.
وشددت الرسالة، التي كشفت عنها صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، على ضرورة التعامل "القوي" مع عرقلة التعاون في ترحيل المهاجرين، وأيضًا على خلفية تعامل السلطات الجزائرية مع الكاتب بوعلام صنصال والصحفي الفرنسي كريستوف جلييز.
ولم يكتفِ ماكرون بالمطالبة بالصرامة، بل اقترح رسميًا فرض عقوبات، من بينها خطوة حساسة تتمثل في "تعليق رسمي" لاتفاق بشأن جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية بين البلدين، ما يعكس مستوى غير مسبوق من التوتر.
وقال أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية والخبير في العلاقات الفرنسية المغاربية في باريس بيير فيليو، إن "هذا التحول يمثل إقرارًا ضمنيًا بفشل سياسة اليد الممدودة التي تبناها ماكرون منذ بداية ولايته، خاصة بعد محاولاته المثيرة للجدل لإعادة قراءة التاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "ما نشهده اليوم هو تغيير حاد في استراتيجية الإليزيه"، موضحاً أن "هناك شعورا بالإحباط داخل الدولة الفرنسية نتيجة مراوحة العلاقات مكانها، بل وتدهورها، وأن باريس باتت ترى أن التودد لم يعد مجديًا".
وأشار فيليو إلى أن ماكرون اختار التصعيد السياسي كوسيلة ضغط على الجزائر، لا سيما في ظل تجاذبات داخلية فرنسية تتعلق بملف الهجرة، حيث أصبح الموقف المتشدد يحظى بدعم سياسي أوسع.
بدورها، قالت لورانس تيبو مونتباني، الباحثة في مركز الدراسات الدولية التابع لـ"CNRS" ومتخصصة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، إن هذه الإجراءات تمثل "مقامرة سياسية" أكثر من كونها سياسة مدروسة.
وأشارت لـ"إرم نيوز"، إلى أن "تعليق اتفاقات دبلوماسية خطوة رمزية لكنها لا تغيّر جوهر الأزمة"، مؤكدة أن "العلاقات بين البلدين قائمة على تراكم تاريخي معقّد، يتطلب أدوات دبلوماسية لا عقابية".
ورجحت الباحثة مونتباني أن "الجزائر لن تتجاوب بسهولة مع هذا النوع من الضغط، لا سيما في سياق إقليمي معقد يتزامن مع توترات دولية وتغير في موازين النفوذ في شمال إفريقيا"، مبيّنة أن "باريس تشكو من رفض الجزائر استقبال عدد من رعاياها المرحّلين من فرنسا رغم انتهاء إجراءاتهم القانونية".
أما على الصعيد الثقافي والسياسي، أشارت إلى أن "أزمة بوعلام صنصال، الكاتب الجزائري الذي يعد صوتًا ناقدًا للنظام الجزائري، وكذلك حظر دخول صحفيين فرنسيين، أثارت غضبًا في الأوساط الفرنسية".
ورأت الباحثة مونتباني أنه بسبب التاريخ المعقد بين باريس والجزائر، رغم مبادرات رمزية من ماكرون، مثل الاعتراف بجرائم استعمارية، لم يحصل تقارب حقيقي أو تفاهم شامل حول الملفات التاريخية والسياسية العالقة.
ولفتت الباحثة مونتباني إلى أن "ماكرون اليوم يقود فرنسا إلى مرحلة جديدة في علاقتها مع الجزائر، قائمة على لغة القوة المشروطة بالاحترام المتبادل، لكن نجاح هذه المقاربة يظل مرهونًا برد الفعل الجزائري، وقدرتها على الفصل بين الضغوط السياسية والتعاون الضروري في ملفات الهجرة والأمن".