خلطت حادثة اعتقال عميل من المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي في مالي أوراق العلاقات الثنائية بين باريس وبامكو، التي استمرت في التدهور منذ انقلاب عام 2020.
واليوم، فإن جميع العلاقات تقريبا بين البلدين مقطوعة، وأسهم فيها التباين بين الأجهزة الأمنية والسياسية الفرنسية.
ومنذ اعتقال يان.ف، عضو المديرية العامة للأمن الخارجي، في 14 أغسطس في باماكو، انقطع الرابط السري بين باريس وباماكو، وهو متهم بالمشاركة في "محاولة زعزعة الاستقرار" التي أُلقي القبض على عدد من الضباط الماليين على خلفيتها.
وفي الأزمات الدبلوماسية مهما ساءت العلاقات بين بلدين، عادةً ما تكون لديهما قناة أخيرة للحوار، وهي تلك التي تديرها أجهزة الاستخبارات.
وأدانت باريس على الفور "الاتهامات الباطلة" وطالبت "بالإفراج الفوري عنه"، وبخلاف واغادوغو ونيامي، وهما دولتان تحكمهما مجالس عسكرية، وتشكلان معًا تحالف دول الساحل، حافظت مالي بقيادة الجنرال غويتا، رغم التوترات الظاهرة، على تعاون سري في مجال مكافحة التطرف مع فرنسا.
وكان هذا التعاون أقل حدة مما كان عليه قبل الانقلاب العسكري في عام 2020، ولكنه كان لا يزال فعالا إلى غاية منتصف سبتمبر حين أعلنت باماكو وقف التنسيق مع باريس.
وقد أصدر عُقداء ماليون تصريحاتٍ قاسية عديدة ضد فرنسا، متهمين إياها بالعديد من المشاكل، وتفاوضوا سرا على وصول مرتزقة من مجموعة فاغنر شبه العسكرية خلال الصيف التالي. وكان نشرهم في مالي في ديسمبر 2021 خطًا أحمر بالنسبة لباريس.
بعدها أتى العام التالي الذي لم يكن سوى سلسلة من الأزمات والمناوشات المتبادلة التي أكدت الانفصال بين البلدين، وبدأت بإقالة السفير الفرنسي في يناير، ورحيل آخر الجنود الفرنسيين من عملية برخان في أغسطس، وتعليق المساعدات التنموية العامة لمالي في نوفمبر.
وإلى غاية منتصف أغسطس الماضي، عقب اعتقال العميل الفرنسي، كان العديد من المسؤولين في باريس يُصرحون بانتظام، سرا، بأن مالي لا تزال الدولة الأقل سوءًا في علاقاتهم مع دول الساحل الإفريقي وفق ما يكشف مصدر فرنسي مطلع.
ففي النيجر، بلغ الشقاق ذروته بعد انقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني في يوليو 2023، ما دفع باريس إلى إغلاق سفارتها في نيامي.
أما في بوركينا فاسو، لا تزال السفارة الفرنسية مفتوحة، لكنها تبدو فارغة، فالكابتن إبراهيم تراوري شديد العداء لباريس.
لكن احتجاز يان.ف غيّر الوضع، كما تؤكد عدة مصادر فرنسية لأن الاستمرار كما كان التعاون في السابق أصبح مقرونا بإطلاق سراحه. ويُطرح السؤال هنا حول استراتيجية السلطات الفرنسية تجاه نظيرتها المالية.
وبين قصر الإليزيه، ووزارة القوات المسلحة، والمديرية العامة للأمن الخارجي، لا تتفق الأطراف المعنية دائمًا على نهج واحد للتعامل مع الأزمة، فبينما يؤيد البعض تشديد موقفهم، يُبدي آخرون تحفظا، تجنّبا لتصعيد الوضع ودعم المجلس العسكري، الذي يسعى إلى استغلال انعدام الثقة الشعبي بفرنسا.
وللإشارة، طلب المسؤولون الفرنسيون من بعض شركائهم الأوروبيين والأفارقة التدخل لدى السلطات المالية لمحاولة تأمين إطلاق سراح عميلهم.