تواجه خطة نشر قوات أوروبية في أوكرانيا لدعم اتفاق سلام محتمل مع روسيا معارضة واسعة من قبل الرأي العام الأوروبي، وسط مخاوف من تعريض الجنود للخطر وعدم وضوح طبيعة الدعم الأمريكي المقدم لتلك القوات والضمانات الأمنية لأوكرانيا.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، الأربعاء، إن دولا مثل فرنسا وبريطانيا أبدت استعدادها للمساهمة بقوات محدودة، أما الموقف الألماني والإيطالي فهو الأكثر حساسية بسبب معارضة الناخبين الكبيرة لتلك الخطوة، ما يطرح تحديات كبيرة أمام نشر أي قوة أوروبية موسعة لضمان أمن أوكرانيا والقارة.
وعندما أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرز أخيرا عزمه على بدء مشاورات مع البرلمان بشأن احتمال نشر قوات عسكرية في أوكرانيا، كان رد الفعل حذرا، وصرح وزير خارجيته، يوهان فادفول، بأن مثل هذا النشر سيُثقل كاهل الجيش الألماني، نظرًا لأنه يُنشئ بالفعل لواءً مدرعا في ليتوانيا لحماية الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي "الناتو".
وقال قادة سياسيون آخرون إن النقاش سابق لأوانه نظرا لعدم وجود أي مؤشر على قرب التوصل إلى اتفاق سلام.
لا يمكن نشر قوات ألمانية دون إقرار البرلمان، حيث تتمتع الحكومة بأغلبية ضئيلة نسبيا وسط معارضة شديدة لهذا التوجه من قبل أحزاب المعارضة، سواء اليمينية أو اليسارية المتطرفة.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة "إنسا" الأسبوع الماضي أن 56% من المشاركين يعارضون المساهمة الألمانية، وهو معدل أعلى من نسبة المعارضة في فصل الربيع.
في فرنسا، يعتمد تأييد إرسال قوات برية إلى أوكرانيا بشكل كبير على التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين كييف وموسكو، وليس مجرد وقف لإطلاق النار.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "إيلاب" في مارس الماضي أن 67% من المشاركين يؤيدون إرسال قوة فرنسية حال تحقق الاتفاق، بينما يعارض 68% ذلك في حال غياب الاتفاق.
يشير مسؤولون أوروبيون إلى صعوبة إقناع الرأي العام بأي نشر عسكري للقوات الأوروبية دون ضمان صريح من الولايات المتحدة بأنها ستتلقى الدعم من الجيوش الأكثر تطورا في العالم.
ورغم الجهود الدبلوماسية المكثفة خلال الأسابيع الماضية، لا يزال الغموض يكتنف موقف الولايات المتحدة بشأن الدعم الذي قد تقدمه، فيما استبعد ترامب إرسال قوات برية، مؤكدا أن بلاده ستلعب دورا في ضمان أمن أوكرانيا.
يؤكد قادة أوروبيون على أهمية نشر القوات في أوكرانيا لأمن أوروبا، محذرين من أن روسيا ستزحف نحو أجزاء أخرى من أوروبا في حال سقوط كييف.
ويُبرز التواجد العسكري الأوروبي على الأرض التزام القارة بحماية أوكرانيا، بينما تواصل واشنطن دراسة شكل الضمانات الأمنية التي ستقدمها لاحقا.
ويلقى هذا الطرح دعما واسعا في أجزاء من أوروبا، لا سيما في الدول الشمالية، حيث أعلنت هولندا والدنمارك وإستونيا عن استعدادها لتقديم قوات للمساهمة في المهمة.
يبقى انخراط بريطانيا قائما، حيث أكد رئيس الوزراء كير ستارمر أن نشر القوات لن يتم إلا بعد ضمان الولايات المتحدة تقديم الدعم العسكري لها حال تعرضها لهجوم روسي.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية البريطانيين يؤيدون مشاركة جيشهم في مهام حفظ السلام، لكنهم يفضلون تجنب مواجهة مباشرة مع روسيا.
ظلت حكومة ستارمر ملتزمة الصمت ولم توضح ما إذا كان مسموحًا للقوات البريطانية في أوكرانيا باستخدام النار ضد الجنود الروس في حال تكررت محاولة غزو أوكرانيا.
في الوقت نفسه، جرى تقليص الخطط الأولية لبعثة حفظ السلام الأوروبية التي كانت مقررة بقوام 30 ألف جندي، ويعود ذلك جزئيا إلى نقص الكوادر البشرية في الجيش البريطاني.
وتعتزم فرنسا وبريطانيا إرسال ما بين 6 آلاف و 10آلاف جندي معا، فيما أوضح مسؤولون أن مشاركة بريطانيا ستتركز على الأرجح في المجالات البحرية والجوية لمراقبة المجالين الجوي والبحري لردع أي تحركات روسية، بينما سيكون التركيز الرئيسي للوجود العسكري على تدريب القوات البرية الأوكرانية.
مع ذلك، يثير الضغط لتشكيل قوة أوروبية، حتى لو كانت محدودة ، ردود فعل سلبية، خصوصا من التيارات الشعبوية في القارة.