أحدثت صورة حديثة جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باثنين من خصومه السياسيين الحاليين كانا رفيقين مقربين قبل سنوات، جدلاً سياسياً في البلاد حول تغير غير متوقع في التحالفات السياسية القائمة.
جمعت الصورة الرئيس أردوغان مع أحمد داوود أوغلو، وعلي باباجان، اللذين كانا رفيقيه في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل نحو ربع قرن، قبل أن ينشقا عن الحزب ويؤسس كل منهما حزباً مستقلاً ومعارضاً لأردوغان عامي 2019 و 2020 على التوالي.
والتقطت الصورة خلال حفل استقبال أقامته رئاسة البرلمان التركي يوم الأربعاء الماضي خلال افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان، والتي قاطعها حزب الشعب الجمهوري، وهو أكبر أحزاب المعارضة الذي تحالف معه داوود أوغلو وباباجان في الانتخابات الأخيرة ضد تحالف الحزب الحاكم عام 2023.

هيمن هذا اللقاء على الحياة السياسية في تركيا بعد أن تناقلته غالبية محطات التلفزة والصحف ومواقع الأخبار التركية، وأثار تعليقات متباينة من المحللين السياسيين وكتاب المقالات والصحفيين في البلاد.
ودفع الجدل حول اللقاء أطرافه لإصدار بيانات وتعليقات رسمية، لإيضاح مواقفهم بعد انتشار تفسيرات وتوقعات وتحليلات عديدة، وقالوا إنه لا يتعدى كونه لقاءً بروتوكولياً لا يرتبط بالمواقف السياسية.
لكن ردود فعل سياسية أخرى اعتبرت أن اللقاء أكثر من حضور مناسبة وله دلالات سياسية ستظهر في الفترة القادمة، بينما أشعل اللقاء سجالاً سياسياً حاداً واتهامات متبادلة أحد أطرافها السياسي البارز ومنافس أردوغان في انتخابات الرئاسة عام 2018، محرم إينجه.
وعلق حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب المستقبل الذي يرأسه أحمد داوود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم الذي يرأسه علي باباجان على الجدل وردود الفعل على اللقاء غير المسبوق لرفاق الأمس وخصوم اليوم منذ انخراطهما في تحالفين سياسيين مختلفين.
واعتبر المتحدث باسم الحزب الحاكم، عمر تشيليك، أن اللقاء بين الرئيس ورؤساء الأحزاب يشكل اجتماعاً مهماً للحياة السياسية في تركيا، وأن مشاركة الأحزاب السياسية في الحوار تُعد استجابةً وطنيةً للفوضى السائدة في العالم الخارجي على الرغم من اختلاف وجهات النظر.
وانتقد تشيليك حزب الشعب الجمهوري المعارض بسبب قراره عدم حضور الجلسة الافتتاحية وحفل الاستقبال الذي أُقيم بعدها، وقال عبر حسابه في "إكس": "نرى أن المواقف السلبية تجاه هذه الوحدة تأتي من إدارة حزب (الشعب الجمهوري)، التي ارتكبت خطأً تاريخياً باحتجاجها على البرلمان، ومن بعض الجهات التي تسعى لتقويض الحياة السياسية المدنية".
وأضاف: "أي جماعة تحتج على البرلمان تنكر وجودها السياسي، فالبرلمان هو موطن كل من يرغب في الانخراط في السياسة، لطالما كان من يحاولون تعطيل البرلمان بمثابة مراكز للوصاية، ومن الخطير أن تتغلغل هذه العقلية في أي حزب سياسي".
وقاطع زعيم حزب الشعب، أوزغور أوزيل ونوابه جلسة الافتتاح للبرلمان، لكنه اعتبر في تصريحات صحفية عقب الجلسة، أن قرار الحضور للجلسة ولقاء الرئيس قرار خاص بكل حزب.
وفي سياق ردود الفعل على اللقاء، اعتبر رئيس حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، أنه لا يمكن تفسير العالم ورواية التاريخ السياسي من خلال صورة او مقابلة، لكنه قال إن أردوغان فعل الصواب هذا العام.
وأضاف: "أتفهم رد فعل السيد أوزغور أوزيل، ولكن كان ينبغي عليه المشاركة في افتتاح البرلمان".
غير أن تعليق المتحدث باسم حزبه "المستقبل"، أفق كارجي، عبر حسابه في "إكس"، حمل مؤشرات أكثر دقة عن موقف الحزب، إذ قال "في الوقت الذي نسعى فيه إلى التطبيع في جميع المجالات في بلدنا، يجب أن تُفسر هذه الصور على أنها مبشرة، وليس على أن هناك أي دوافع خفية وراءها".
وأشعل رد رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، على لقائه مع أردوغان، تراشقاً سياسياً وهجوماً شنه عليه محرم إينجه، عضو حزب الشعب الجمهوري ومرشحه للرئاسة عام 2018.
وقال باباجان إن ما جرى ليس اجتماعاً بل مجرد صورة التقطت خلال حفل استقبال حضره استجابة لدعوة من رئيس البرلمان إلى جميع قادة الأحزاب الحاضرين في الجلسة الافتتاحية، وقد بقي لمدة 15 دقيقة فقط.
وأضاف باباجان في تصريحات صحفية أن الجدل على مثل هذه اللقاءات يحدث بين فترة وأخرى، قبل أن يقول إن تعليق محرم إينجه على الصورة لا قيمة له، بعدما كتب إينجه عقب اللقاء بين أردوغان ورفاقه القدامى: "عندما تنظر إلى هذه الصورة، أعتقد أنك تفهم اعتراضاتي وتمردي أثناء العملية الانتخابية ومن ذهبت إليه أصواتي".
وكان إينجه يشير لتحالف حزبه مع باباجان وداوود أوغلو في الانتخابات الماضية، والتي شارك هو فيها بشكل مستقل بعدما انشق عن حزب الشعب وأسس حزب "البلد" قبل أن يحله ويعود لحزبه القديم مؤخراً.
غير أن إينجه عاد ورد على باباجان، وقال بلهجة حادة: إن الناس ستقلل من مكانتك ومكانة من في تلك الصورة بنسبة مئة بالمئة! لا تعتقد أنك لن تحاسب حتى لو استقلت، "الأمة لا تنسى، يوم الحساب قريب".
وقدم محللون وكتاب مقالات سياسيون تفسيرات مغايرة للمواقف الرسمية والسجال الحزبي الذي تلا اللقاء، لكنهم في المقابل تباينوا في تلك التحليلات حول دلالات اللقاء وإمكانية تأثيره على التحالفات السياسية بين الأحزاب.
واعتبر الصحفي التركي هاكان جيليك، أن اللقاء غير المسبوق بين أردوغان وداوود أوغلو وباباجان، تقارب سياسي مفاجئ، بينما اعتبرت زميلته الصحفية التركية هلال كويلو أن اللقاء سيعزز اتصالات الرئيس مع الأحزاب وسيزيد الضغط على حزب الشعب الجمهوري.
واعتبر الصحفي التركي كورتولوش تاييز في مقال له بصحيفة "أكشام"، أن "النقاش والتنافس والنضال أمرٌ لا مفر منه في القضايا السياسية؛ إلا أن التجمع معًا حول القضايا الوطنية والتقاط الصور معا أمرٌ أساسي".
وذهب الكاتب أرسلان بولوت لتحليل آخر، وقال في مقال بصحيفة "يني تشاغ" المحلية، إن اللقاء يعكس حرص حزبي داود أوغلو وباباجان على إقرار دستور جديد للبلاد يسعى حزب العدالة والتنمية إليه أيضاً ويحتاج لإجماع سياسي كبير لإنجازه.
واعتبر محللون آخرون أن اللقاء يعكس في جانب منه حرص الأحزاب الحاضرة على إنجاح مبادرة "تركيا خالية من الإرهاب" التي بدأت قبل عام، وتستهدف إنهاء الصراع المسلح مع حزب العمال الكردستاني المستمر منذ أكثر من 40 عاماً عبر اتفاق مع الحزب وزعيمه المسجون في تركيا عبدالله أوجلان.
ويطالب حزب الشعب الجمهوري المعارض بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة الشهر المقبل، أو في ربيع العام المقبل؛ ما يجعل من أي تحالفات سياسية جديدة أمراً بالغ الأهمية في كسب أصوات الناخبين.
لكن الرئيس أردوغان وحزبه رفضا على الدوام تلك المطالب، وقال أردوغان خلال جلسة افتتاح البرلمان ذاتها إنه سيواصل مهامه رئيساً للجمهورية بعدما فاز في انتخابات عام 2023 التي وضعته في رئاسة الجمهورية حتى العام 2028.
ولسنوات طويلة تولى داوود أوغلو وباباجان مناصب رفيعة في حكومات حزب العدالة والتنمية، من رئاسة الوزراء إلى حقائب الاقتصاد والخارجية، قبل أن ينفصلا عن درب أردوغان وحزبه، بينما لا يزالان يتمتعان بقاعدة جماهيرية.