أكد مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية ديميتري بريجع، أن الصمت الروسي تجاه عودة المفاوضات بين واشنطن وطهران لا يعكس قبولا ضمنيا أو معارضة صريحة، بل يُترجم إستراتيجية حذرة تتيح لموسكو الحفاظ على مساحة تأثيرها في الملفات الدولية المعقدة.
وأشار بريجع في حوار مع «إرم نيوز» إلى أن العلاقة بين موسكو وطهران تتجاوز حدود المنافسة الاقتصادية نحو شراكة إستراتيجية في مواجهة الضغوط الغربية، محذرا من أن تخفيف العقوبات على طهران قد يؤدي إلى ضغوط على أسعار النفط؛ مما يتطلب تنسيقا روسيا - إيرانيا دقيقا لتفادي أي صدام اقتصادي.
وعدّ بريجع أن التصعيد الغربي الأخير عبر دعم كييف بأسلحة بعيدة المدى يعكس مأزق السياسات الأوروبية، خاصة وأن موسكو قد ترد بتوسيع رقعة الاستهداف جغرافيا؛ ما ينذر بمرحلة أكثر تعقيدا في الصراع المستمر.
- بدايةً.. كيف تفسر غياب التعليق الرسمي من موسكو حتى الآن بشأن عودة المفاوضات الثنائية بين طهران وواشنطن؟ وهل الصمت يعكس قبولا ضمنيا أم تحفظا حذرا؟
الصمت الروسي لا يعكس قبولا ضمنيا ولا معارضة صريحة، بل هو جزء من استراتيجية محسوبة تتيح لموسكو الحفاظ على هامش المناورة السياسي، خاصةً أن العودة الأمريكية الإيرانية لطاولة التفاوض، لا ترتبط فقط بالملف النووي، بل تمهد لإعادة ترتيب التوازنات الإقليمية، وأي موقف روسي متسرع قد يضعف فرص التأثير أو الاستفادة لاحقا، خاصة وأنها ترغب في حماية نفوذها في الشرق الأوسط.
- هل ترى موسكو هذه المفاوضات تهديدا لمصالحها في الشرق الأوسط خاصة مع احتمالية عودة إيران لسوق النفط؟
عودة إيران للأسواق العالمية ستضغط على أسعار النفط وتقلل من قدرة روسيا على توظيف ورقة الطاقة في مواجهة الغرب. ورغم ذلك، لا تنظر موسكو إلى طهران كمنافس اقتصادي بحت، بل كحليف إستراتيجي في كسر الهيمنة الغربية، وتسعى لتنسيق المواقف معها لتجنب الصدام داخل الأسواق.
- إلى أي مدى أثرت الحرب الأوكرانية على قدرة روسيا في إدارة ملفات كبرى مثل الملف النووي الإيراني؟
الحرب استنزفت جزءا من موارد موسكو لكنها لم تُقيد أدواتها الدبلوماسية. والواقع فرض على روسيا تطوير آليات تحرك مختلفة عبر توسيع دائرة الشراكات بعيدًا عن المنظومة الغربية، وإعادة صياغة أسلوب إدارتها للملفات الدولية الكبرى.
- كيف أثرت هذه التغيرات على علاقة موسكو بالقوى الكبرى مثل الصين وألمانيا؟ هل تواجه عزلة؟
الصين تبقى الشريك الأهم لموسكو في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، مع براغماتية واضحة في إدارتها للتحالف، أما ألمانيا، فاختارت الانحياز للمعسكر الأطلسي؛ ما عمّق الفجوة مؤقتا، لكنها أزمة لن تطول؛ لأن المصالح الاقتصادية ستفرض استعادة التوازن لاحقا.
- كيف تقرأ موسكو انعكاسات الضربة الروسية الأخيرة في منطقة سومي على موقف كييف؟
الضربة في سومي رسالة بأن موسكو ما زالت تحتفظ بزمام المبادرة وقادرة على إعادة رسم حدود الاشتباك متى شاءت، وهذه العملية تدفع القيادة الأوكرانية لإعادة التفكير في استراتيجيتها العسكرية تحت ضغط استنزاف الموارد البشرية والعسكرية.
- ماذا يعني تسارع الدعم العسكري الغربي لكييف مؤخرا؟
الزيادة في دعم أوكرانيا تعكس فشل الغرب في كسر الإرادة الروسية عبر العقوبات، وتحوله لمحاولة فرض أمر واقع بالسلاح، وهذا التصعيد يفتح الباب أمام ردود فعل روسية قد تشمل توسيع نطاق الاستهداف ليطال مناطق الدعم خارج حدود أوكرانيا.
- هل تسليح أوكرانيا بهذا الشكل قد يعيد الحرب إلى نقطة أكثر خطورة؟
موسكو لا تخوض الحرب لأجل الحرب، بل لحماية مصالحها كقوة عظمى ترفض الخضوع لمنظومة أحادية القطبية، وتجاهل هذه المصالح يُبعد أي أمل في السلام الحقيقي، ويبقى الاعتراف بها هو المدخل الوحيد للاستقرار.
- كيف ترى السيناريوهات المحتملة خلال الأشهر المقبلة؟
هناك 3 مسارات محتملة: الأول تصعيد عسكري متبادل مع استمرار تدفق السلاح لأوكرانيا، مع احتمالية تثبيت حرب استنزاف طويلة دون حسم، أو مفاوضات قسرية تفرضها الوقائع الميدانية والضغوط الاقتصادية على جميع الأطراف.