logo
العالم

طموحات برلين وباريس تتصدع بسبب "مقاتلة".. هل ينهار أكبر مشروع تسليح أوروبي؟

نموذج مقاتلة من مشروع SCAFالمصدر: armyrecognition

تُناقش ألمانيا وفرنسا تقليص حجم مشروع الدفاع الجوي الرائد، الذي تبلغ تكلفته 100 مليار يورو من خلال إلغاء خطط مشتركة لبناء طائرة مقاتلة من الجيل السادس تتضمن أحدث التقنيات، على ما أفادت صحيفة "فاينانشال تايمز"، اليوم الاثنين.

وتعد الطائرة المقاتلة أحد أهم أعمدة مشروع "نظام القتال الجوي المستقبلي" الفرنسي الألماني، الذي يعد، بدوره، أحد أكبر المشاريع الأوروبية وأكثرها طموحا.

ويرى خبراء أن إلغاء خطط إنتاج المقاتلة قد يعرض المشروع برمته للانهيار وسط خلافات بين شركة "داسو للطيران" الفرنسية، و"إيرباص" الألمانية حول كيفية بناء الطائرة المقاتلة، وحجم مشاركة كل منهما في ذلك.

ووفقا لتقارير متطابقة، فإن المسؤولين في البلدين قالوا إن أحد الخيارات المطروحة للنقاش تضييق نطاق التعاون إلى التركيز على "السحابة القتالية" المشتركة التي ستربط الطائرات المقاتلة وطياريها بأجهزة الاستشعار والرادارات والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى أنظمة القيادة البرية والبحرية.

أخبار ذات علاقة

نموذج لـ (SCAF)

بين باريس وبرلين.. أزمة صامتة تهدد بنسف مشروع المقاتلة الأوروبية المشتركة

وأوضح المسؤولون أنه إذا تم التخلي عن خطة بناء طائرة مقاتلة بشكل مشترك، فإن التركيز على السحابة سيمكّن البلدين من مواصلة شكل من أشكال التعاون، غير أنهم أكدوا عدم اتخاذ أي قرار بعد.

ومن المقرر أن تتم مناقشة مستقبل هذا النظام الدفاعي خلال اجتماعات مسؤولي البلدين هذا الأسبوع في باريس، يعقبها اجتماع بين المستشار فريدريش ميرتس مع الرئيس إيمانويل ماكرون في برلين، كما تم التخطيط لاجتماعات أخرى مع الشركاء الصناعيين.

ويتعين على باريس وبرلين اتخاذ قرار بحلول نهاية العام حول المقاتلة، وسط تكهنات بأن الوقت قد فات بالفعل لحل النزاع طويل الأمد بين "إيرباص" و"داسو" اللتين تولتا قيادة بعض أجزاء برنامج نظام القتال الجوي المستقبلي، لكن الشركتين تتجادلان حول تقسيم العمل، واختيار الموردين، والتحكم في تصميم الطائرة.

ولادة الفكرة

أطلقت فكرة مشروع "نظام القتال الجوي المستقبلي" بين برلين وباريس للتأكيد على السيادة الدفاعية الأوروبية وإمكانية بناء قدرات طيران متقدمة دون الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، ثم انضمت مدريد لاحقا إلى المبادرة في عام 2019، مما جعله مشروعا "دفاعيا كبيرا"، حسب وصف خبراء.

ويطمح المشروع، فضلا عن بناء المقاتلة، إلى تحقيق عدة أهداف عبر إنتاج محركات مطورة، وطائرات دون طيار، وأجهزة الاستشعار والالكترونيات، وأنظمة القيادة والتكامل، ناهيك عما يسمى بـ"السحابة القتالية".

ووفقا للجداول الزمنية، وضعت توقعات لأول نموذج تجريبي للطائرة بحوالي عام 2027، لكن الهدف طويل الأمد هو أن تدخل المنظومة الخدمة بحلول نحو عام 2040، لتحلّ محل طائرات مثل رافال لدى فرنسا، وتايفون لدى ألمانيا، وغيرهما.

وانخرط البلدان، عمليا، في إنجاز المراحل الأولى، إذ تشير تقارير إلى أن هناك نحو 3000 مهندس من البلدان الثلاثة يعملون على دراسات النظام، والتصميم، والتقنية.

التحديات

لكن العمل لم يجرِ على النحو المنشود، فسرعان ما برزت خلافات حول توزيع الأدوار بين داسو الفرنسية وإيرباص الألمانية. وبرزت كذلك خلافات تقنية، فداسو الفرنسية تريد مقاتلة بوزن حوالي 15 طنا، حتى تكون مناسبة للطيران من حاملات الطائرات، بينما ألمانيا تفضل طائرة أثقل يصل وزنها إلى نحو 18 طنا.

ومثل هذا الخلاف التقني، بحسب خبراء، هو انعكاس لتباين الأجندات السياسية الوطنية، فلكل دولة رؤية مختلفة لما تريده من المقاتلة، فباريس لديها أولويات قد تشمل القدرات البحرية، بمعنى إنتاج طائرة مناسبة للحاملات، أما برلين فتركز على مهام تفوق جوي بعيدة المدى.

وإلى جانب بعض الخلافات الإدارية والبيروقراطية، برزت، كذلك، كما يلاحظ خبراء، خلافات بشأن التصدير وحقوق الملكية، كما هو الحال في العديد من مشاريع التسليح الكبرى، إذ غالبا ما يثار الجدل حول من يملك حقوق التصدير، ومن يملك الملكية الفكرية للابتكارات.

أخبار ذات علاقة

قوات الناتو في مناورة بالذخيرة الحية في لاتفيا

بين الدعاية وأدوات الضغط.. 3 سيناريوهات لمواجهة محتملة بين روسيا وأوروبا

وعلاوة على ذلك، فإن التمويل الضخم الذي يتطلبه المشروع يهدد بنشوء "مخاطر مالية"، إذا لم يتم التوافق، بشكل واضح حاسم، على المراحل القادمة.

ومن هنا، يشدد الخبراء على أن "وقت التهدئة نفد، ولا بد من اتخاذ قرارات حاسمة" من الشركاء، وهو ما سيظهر من خلال الاجتماعات المرتقبة التي يفترض أن تقدم إجابات حول أسئلة معلقة بشأن الحوكمة وقيادة المشروع وكيف تُدار عملية اتخاذ القرار من قبيل من يقرر التصميم، ومن يتحكم في المعايير الفنية، وكيف تُسند المهام... وغيرها من الجوانب التي لم تحسم بعد.

وثمة تحديات تتجاوز الخلافات البينية، ففي حال فشل المشروع قد تلجأ بعض الدول الأوروبية إلى مشاريع أخرى أو شراء طائرات من دول خارج أوروبا، وهو ما يضعف جدوى المشروع الفرنسي الألماني.

يشار إلى أن هناك منافسة من مشروعات مماثلة مثل "البرنامج العالمي للقتال الجوي" بقيادة بريطانيا، التي قد تستقطب بعض الشركاء الأوروبيين إذا لم يتم حسم الموقف بشأن "نظام القتال الجوي المستقبلي".

هل ينهار المشروع؟

رغم التحديات والعراقيل المتشعبة، يستبعد الخبراء انهيار المشروع بشكل كامل، لكنه على وشك فقدان أهم جزء فيه، وهو المقاتلة، مشيرين إلى أن المقاتلة هي الجزء الاستراتيجي الأساسي من المشروع، وهي تعكس الوجه العسكري الملموس لهذه الطموحات.

ويضيف الخبراء أن إلغاء خطط إنتاج المقاتلة يعني أن المشروع سيتحول إلى نظام رقمي وطائرات مسيّرة فقط، مع فقدان القدرة على الاعتماد على مقاتلة أوروبية متقدمة.

كما أن تقليص المشروع، على هذا النحو، يمثل ضربة لمصداقية التعاون الدفاعي الأوروبي، ويثير تساؤلات حول قدرة أوروبا على تحقيق السيادة الجوية دون مشروع موحد.

وفي موازاة ما سبق، لا يمكن التغاضي عن أن هذه الخلافات بخصوص المشروع، تتزامن مع مستجدات جيوسياسية تعيشها أوروبا، إذ أدت الحرب الأوكرانية إلى إعادة تشكيل أولويات الدفاع في القارة. 

ويرى محللون أن التراجع عن مشروع بهذا الحجم يضعف قدرة أوروبا على بناء منظومة ردع مستقلة، ويزيد اعتمادها على المظلة الأمريكية لسنوات أطول.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC