بعد نحو ستين عاما على أزمة الصواريخ الكوبية التي اقترب فيها قطبا العالم آنذاك- الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي- من صدام نووي، يعيد التهديد الروسي باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا والتحذيرات الأمريكية من أن الأمر لن يمر بسلام للأذهان مخاوف حافة الهاوية مجددا.
ويستذكر تقرير نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية، اليوم الجمعة، أنه في مثل هذا اليوم (14 أكتوبر) قبل ستين عامًا، أثار اكتشاف مواقع خاصة بإطلاق صواريخ نووية في كوبا بواسطة طائرة تجسس تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ثم اكتشاف سفن سوفيتية في المحيط الأطلسي تحمل صواريخ متجهة إلى كوبا، سلسلة من الأحداث كادت أن تدفع العالم إلى حرب نووية.
الولايات المتحدة قامت في 22 أكتوبر 1962 بفرض حصار على كوبا، لمنع وصول السفن السوفيتية التي يشتبه في حملها رؤوسا نووية إلى منصات الإطلاق، لكن الرئيس السوفيتي نيكيتا خروتشوف هدد بتحدي الحصار، معلنا أن السفن ستشق طريقها إلى الحليف الكوبي، لا سيما في ظل الاستغاثة التي وجهها فيدل كاسترو خوفًا من غزو أمريكي وشيك.
التصعيد بين واشنطن وموسكو استمر لنحو 13 يومًا، قبل أن يتوصل الطرفان لحل سلمي تم بموجبه إزالة منصات الصواريخ من كوبا وعودة السفن السوفيتية إلى ديارها، مع سحب الولايات المتحدة صواريخ نووية من حدود الاتحاد السوفيتي.
عودة التهديد
وقالت المجلة: "الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لم ينخرطا في صراع مباشر طوال الحرب الباردة، لكن القوتين خاضتا عددًا من الحروب بالوكالة في جميع أنحاء العالم؛ بما في ذلك في أفغانستان في الثمانينيات، واليوم يعود الصراع إلى أوروبا بهجوم روسيا على أوكرانيا".
وأشار تقرير نيوزويك إلى تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الكونغرس، الأسبوع الماضي، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لا يمزح عندما يتحدث عن الاستخدام المحتمل للأسلحة التكتيكية النووية".
وحول تصريحات الرئيس، قال متحدث باسم البيت الأبيض: "تعليقات الرئيس تعزز مدى جدية تعاملنا مع هذه التهديدات بشأن الأسلحة النووية".
وأضاف المتحدث (في إشارة لتهديدات بوتين): "هذا النوع من الخطاب اللامسؤول الذي رأيناه لا يمثل وسيلة لزعيم دولة مسلحة نوويا للتحدث.. ولكن إذا كانت أزمة الصواريخ الكوبية علمتنا أي شيء، فهو قيمة تقليل المخاطر النووية، وليس التلويح بها".
وجهة النظر الروسية
في المقابل، أوردت نيوزويك أن "وجهة النظر تبدو مختلفة كثيرًا في موسكو، حيث يُنظر إلى واشنطن على أنها تحاول مرة أخرى فرض رؤيتها للعالم".
وقالت المجلة: "قارن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف العلاقات الحالية بين واشنطن وموسكو بأحلك أيام النزاع الذي استمر عقودا والذي هيمن على العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي".
وقال ريابكوف: "العلاقات الروسية الأمريكية في حالة سيئة للغاية.. إنها قابلة للمقارنة مع لحظات الذروة في الحرب الباردة. المشكلة الرئيسية اليوم هي أن الأمريكيين داسوا تحت أقدامهم القانون الدولي والمحرمات المطلقة في الممارسة الدبلوماسية."
وأضاف: "على عكس الحقائق الجيوسياسية، تحاول الولايات المتحدة إخضاع الآخرين، كما فعلت خلال أزمة الكاريبي (الصواريخ الكوبية).. إنها تريد إجبار الآخرين على العيش وفقًا لقواعدها سيئة السمعة التي تفيدها وحدها".
وتابع المسؤول الروسي: "النخب الأمريكية المعادية للروس تفكر بطريقة غير عقلانية وتدفع القيادة الأمريكية لفتح مواجهة مع روسيا، وفي نهاية المطاف إلى التصعيد غير المسؤول للتوترات الدولية".
اتصالات منقطعة
وعلى عكس الاتصالات التي لم تتوقف إبان الثلاثة عشر يومًا المتوترة في ستينات القرن الماضي بين كينيدي وخروشوف، "لم يعرب البيت الأبيض ولا الكرملين عن اهتمامهما بأي اتصالات رسمية، وحتى العلاقات على مستوى العمل هشة في الوقت الحالي"، كما تقول نيوزويك.
وتضيف المجلة: "يبقى أن نرى ما إذا كان بايدن وبوتين سيكونان قادرين على التواصل كما فعل كينيدي وخروتشوف لتجنب الكارثة في أكثر اللحظات الحاسمة في أزمة الصواريخ الكوبية"، مشيرة إلى أن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف كان يأمل في أن يكون ذلك ممكنًا، لكسر الحلقة المفرغة من التصعيد.
وقال ريابكوف: "واشنطن يجب أن تعمل بجدية على أخطائها وأن تتخلى عن مطالبات الهيمنة العالمية في نموذج عقلية أحادية القطب.. أيضًا يجب أن تتوصل إلى الاستنتاجات الصحيحة من محاولاتها الفاشلة للتدخل في شؤوننا الداخلية، وتعديل سلوكها وفقًا لذلك".
وأضاف ريابكوف: "نحن لا نرفض الاتصالات مع واشنطن، ونعتقد أن الحديث أفضل من عدم الحديث.. مثل هذه الاتصالات يجب أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح كل طرف".
ونفى ريابكوف الفكرة التي تكتسب زخمًا في وسائل الإعلام الغربية بأن "روسيا تستعد لشن ضربات بأسلحة الدمار الشامل"، معتبرا أن الولايات المتحدة وأولئك المتحالفين معها "يستخدمون الخطاب النووي بنشاط على خلفية الأحداث في أوكرانيا".