المستشار الألماني: سنزيد الضغط عبر العقوبات إذا واصلت روسيا المماطلة بشأن وقف إطلاق النار
يبدي العديد من المراقبين لتطورات الأحداث في سوريا، قلقاً متزايداً من عمليات تغيير ديمغرافي قد تشهدها عدة مناطق في دمشق وريفها، وتحديداً في جرمانا وصحنايا بريف دمشق، على خلفية التصعيد المتواصل في السويداء.
ويقول هؤلاء إن ما حصل في السويداء بعد إخراج البدو من المحافظة، قد يكون مقدّمة لتغيير من هذا النوع. وقد بدأت بوادره خلال الأيام الماضية من خلال إجلاء عائلات البدو والعشائر من مناطق مختلفة في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، إلى محافظة درعا.
لكن مصادر تكشف أن التهجير قد حصل بالفعل، في دورة العنف الأولى التي شهدتها مناطق سكن الدروز في صحنايا وأشرفيتها بريف دمشق، حيث خرج المئات من الشبان الدروز من هاتين المنطقتين بشكل نهائي باتجاه جبل الشيخ، تحت تهديد القتل والاعتقال، دون أن تسجل عودة غالبيتهم الساحقة إلى مناطقهم حتى الآن.
ويشير هؤلاء أيضاً إلى أن مظاهر التعدي على أبناء الطائفة الدرزية في المحافظات السورية الأخرى، خاصة في الجامعات، وموجة التهديدات التي تصاعدت بشكل كبير ضدهم في أكثر من مكان، تنذر بموجات تهجير قد لا تكون جرمانا وصحنايا بعيدة عنها.
وفقاً لمصادر إعلامية، هُجّر نحو 25 ألف شخص من عشائر البدو في السويداء إلى درعا ودمشق خلال المعارك التي دارت في محافظة السويداء، والتي استمرت لأكثر من أسبوع، دون معرفة ما إذا كانوا سيعودون أم لا، بينما خرج نحو 1500 شخص برعاية الحكومة السورية بعد تطبيق اتفاق لوقف إطلاق النار شاركت فيه عدة دول.
وبحسب قائد "الأمن الداخلي" في محافظة السويداء، أحمد الدالاتي، فإن" الاتفاق يتيح مغادرة جميع المدنيين الراغبين في الخروج من محافظة السويداء، مع توفير إمكانية الدخول إلى السويداء للراغبين بذلك، وذلك في إطار الجهود المتواصلة لترسيخ الاستقرار، وإعادة الأمان إلى المحافظة".
فهل نحن أمام سيناريو تهجير الدروز مقابل تهجير البدو، ومن يقود هذا المشروع؟
الكاتب والباحث السوري، مازن بلال، يرى أن التهجير مطلب إسرائيلي، خاصة من غرب وجنوب السويداء، وذلك لجعل المنطقة خالية من السلاح. مشيراً إلى أن إسرائيل لا تريد مواجهة احتمالات تصعيد أو ربما تسلل جهاديين إلى صفوف البدو في الجنوب.
لكن بلال يشير في تصريحات لـ "إرم نيوز" إلى أن عملية الفرز السكاني تبدو صعبة جداً، إلا في حال القيام باستفزازات، لأن "بني معروف منتشرون أيضاً في غرب دمشق، وصولاً إلى الجولان، وخروج البدو من السويداء، وفقاً لتصريحات دمشق، هدفه خفض التصعيد على حد قولها".
ويقول بلال إن مستقبل هذه العملية غير واضح، لأنه يحتاج إلى خطة سياسية لم تُوضع بعد، وهي مرتبطة أيضاً بالشروط الإسرائيلية، فالتهجير هو أحد الاحتمالات وأكثرها قسوة، ولكن حتى الآن ليس هناك أي تحرك يجري، خاصة أن دمشق حذرة جداً من أي إجراء قبل التفاوض مع إسرائيل.
بلال يلفت إلى مخطط تهجير سابق جرى في مناطق وسط سوريا (ريف حمص وحماة)، وتحديداً ضد العلويين، لكنه يلفت إلى أن وضع السويداء مختلف عن الساحل ومنطقة الغاب الغربي، بسبب مجاورة إسرائيل لجبل العرب، وكثافة المناطق سكانياً في جرمانا وصحنايا، موضحاً أن الموضوع بالنسبة لدمشق كان خلق حزام حول الساحل، أما بالنسبة للسويداء فالموضوع مختلف؛ لأنه مرتبط بأمن إسرائيل.
الناشط السياسي وابن مدينة السويداء، قيس الشاعر، يعتقد أن موضوع التهجير قد يأتي كمرحلة ثانية، وسيكون لاحقاً للاجتياح الإسرائيلي للجنوب السوري وصولاً إلى دمشق، بحسب توقعاته.
ويرى الشاعر في تصريحات لـ "إرم نيوز" أن "إصرار السلطات على إخراج البدو جميعاً من السويداء، رغم التطمينات والبيانات التي أطلقها الدروز وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، مؤشر واضح بأن هناك خطة لإفراغ السويداء".
ويخشى الناشط السياسي السوري أن البلد ذاهب إلى التقسيم "يبدو أنه مشروع خارجي متفق عليه سراً بين الجميع، ما عدا السوريين الذين سيدفعون ثمنه، لذلك أكثر ما يمكن أن نأمله إن حدث التهجير أن يحدث دون دمٍ" كما يقول.
ويرى الشاعر أن الإسرائيليين واضحون، ومخططهم بإخراج عرب 48 خارج إسرائيل واضح، في الطريق إلى إعلان الدولة اليهودية، وهو مخطط مكشوف لكل الناس، ولكن السوريين غير قادرين على مقاومة هذا المشروع في أرضهم منذ عهد النظام السابق، وقد زاد العجز مع السلطة الحالية.
الكاتب المتخصص في الجماعات الإسلامية، عبدالله علي، يرى من جانبه أن التلاعب الديمغرافي، أو إعادة الهندسة الديمغرافية، وسياسات التهجير كانت جزءاً أساساً وواضحاً من الحرب السورية، مشيراً إلى "أننا كسوريين عشنا مشاهد التغيير الديمغرافي والتهجير منذ 14 عاماً، وربما كان اتفاق المناطق الأربع (الفوعة والزبداني) والذي كانت جبهة النصرة، (هيئة تحرير الشام الحاكمة اليوم)، طرفاً فيه.
ويشير إلى أن التغيير الديمغرافي كان موجوداً عن الأطراف جميعها، لذلك كان وما زال يشكل خطراً يهدد المجتمع السوري في الكثير من المناطق، وحالياً يبرز الخطر بشكل خاص بسبب أحداث السويداء والتهجير الحاصل من خلال "اتفاق نقل عشائر البدو من السويداء إلى درعا".
ويتساءل: هل هناك مخاوف من أن يحدث تهجير لدروز صحنايا وأشرفية صحنايا، وربما جرمانا، ليجيب : "نتيجة السوابق الموجودة في التجربة السورية والحرب السورية، ونتيجة ارتفاع منسوب الاحتقان والتوتر الطائفي، تبدو الاحتمالات كلها قائمة، ولم يعد مستغرباً حدوث أي شيء".
ويكشف الباحث عبدالله علي أن موجة العنف الأولى في صحنايا وأشرفية صحنايا شهدت حدثاً خطيراً تم التكتم عليه، وهو أن أغلب شباب الدروز في هذه المناطق هجروا صحنايا والأشرفية هرباً من الملاحقة والتصفيات، وذهبوا إلى قرى الجولان وجبل الشيخ، ومعظمهم من الشباب القادرين على حمل السلاح أو المتهمين بحمل السلاح.
وتابع علي: "يمكن القول إن هذه هي الموجة الأولى من المهجرين التي تم تهجيرها في موجة العنف الأولى، منوهاً إلى أن ذلك ربما يعزز من فرص أن يكون هناك، فعلاً، خطر من أن نشهد موجة تهجير ثانية.
ولكن الباحث السوري، يستبعد أن يجري تهجير الدروز كلهم من دمشق وريفها مقابل البدو كلهم من السويداء، لأنها عملية معقدة وشائكة، وربما تتطلب إضافة للتوافقات الإقليمية والدولية، وقتاً ونفقات، وتأمين سكن ومنازل، لكتلة سكانية كبيرة، لذلك فإن إمكانية تحققها على الأرض صعبة، ولكن المخاوف بشكل عام من التغيير الديمغرافي والتهجير قائمة.
ويوضح أن "مصالح بعض الدول، لا سيما إسرائيل، تقف وراء هذا المسار، لأن هدفها الأخير في سوريا هو تقسيم المقسم، وتفتيت المفتت، وإعادة رسم الخريطة السورية ضمن مشروعها الكبير لهندسة الشرق الأوسط".
ومثل هذا المشروع، وفقاً للباحث علي، إذا لم يكن هناك وعي وطني كبير لمواجهته والوقوف بوجهه، يعني أن سوريا تنزلق نحو التقسيم بخطة ثابتة.
ما يُخشى منه اليوم من قبل الخبراء والمراقبين، أنه إذا اكتمل هذا السيناريو، ولم تجرِ إعادة البدو إلى السويداء، قد يكون هناك تهجير مضاد للدروز من جرمانا وصحنايا في ريف دمشق في اتجاه السويداء، وهو ما سيولّد حساسيات ومظلوميات كثيرة، وسيزيد الشرخ المجتمعي بين السوريين.