كشفت الموجة الثانية عشرة من الغارات الإسرائيلية على الحديدة، عن تحوّل استراتيجي في نهج تل أبيب العسكري تجاه الحوثيين، يتمثّل في تكثيف استخدام الطيران المسيّر منخفض الكلفة، لإحكام حصارها البحري على الميليشيا اليمنية وتعطيل شريانها الاقتصادي الأهم.
وشنّت إسرائيل الاثنين، سلسلة ضربات جوية استهدفت "بُنى تحتية قيد الترميم في ميناء الحديدة، ومعدات هندسية وحاويات وقود وزوارق بحرية يستخدمها الحوثيون في عملياتهم العسكرية"، بحسب بيان الجيش الإسرائيلي.
وأكدت مصادر في السلطة المحلية بمحافظة الحديدة، المعيّنة من قبل الحكومة الشرعية، أن الغارات الإسرائيلية أخرجت ميناء الحديدة مجددا عن الخدمة بشكل كلي.
وقالت المصادر في حديثها لـ"إرم نيوز"، إن الضربات الجوية تركزت على استهداف رصيفين في الميناء، حين كانت فرق الصيانة تعمل على إعادة تأهيل أحدهما، تمهيدا لرفع وتيرة نشاط مناولة الحاويات، بعد الأضرار الواسعة التي لحقت به خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، مطلع الشهر الجاري.
وبحسب المصادر، فقد طال الهجوم قدرات الميناء التشغيلية، بما فيها من زوارق مناورة لقطر السفن والآليات والمعدات المخصصة لأعمال الصيانة والترميم، ما أدى إلى تدمير آخر أرصفته.
يقول المحلل العسكري، العقيد محسن الخضر، إن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على موانئ الحديدة تعكس تحولًا لافتًا في استراتيجية تل أبيب تجاه الحوثيين، ترتكز على توسيع استخدام الطيران المسيَّر كخيار أقل كلفة وأكثر مرونة من الطيران الحربي التقليدي، لتحقيق هدف مزدوج يتمثل في فرض حصار بحري عملي على الميليشيا وتعطيل شريانها البحري الوحيد.
وقال الخضر في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن تل أبيب باتت تسعى بشكل واضح إلى شلّ قدرات ميناء الحديدة، بغية حرمان الحوثيين من موارده الاقتصادية واستخداماته اللوجستية والعسكرية، وخلق أزمة إمداد داخلية، على غرار الحصار الذي تفرضه الميليشيا على ميناء إيلات وهجماتها المتكررة على الملاحة المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.
وأشار إلى أن اعتماد إسرائيل على الطيران المسيَّر قد يكون مؤشرًا على توجهها نحو عمليات استنزاف طويلة الأمد، تستهدف الحوثيين وعائداتهم المالية من الميناء، والتي يُستخدم معظمها في تمويل مجهودهم الحربي، في ظل استمرار جهودها الاستخبارية لرصد أنشطة الميليشيا على ضفاف البحر الأحمر، بما فيها محاولات إعادة تأهيل الميناء واستئناف نشاطه.
بدوره، يعتقد محلل الشؤون الأمنية، عاصم المجاهد، أن الدوائر الأمنية الإسرائيلية لا تنظر إلى ميناء الحديدة كمنشأة مدنية فحسب، "بل تعتبره من أهم الأصول الاستراتيجية في البنية التحتية البحرية التي يستخدمها الحوثيون في تمكين عملياتهم البحرية بشكل مباشر أو غير مباشر".
وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن استهداف الميناء بشكل متكرر ناجم عن الاعتقاد الإسرائيلي بأنه "رئة بحرية تتحرك منها الإمدادات، وتقوم الجماعة عبره بإعادة جدولة تموضعها اللوجستي، خاصة في ظل الضربات الأمريكية والبريطانية التي عطلت أجزاء من شبكة الإطلاق البحري والصاروخي للحوثيين".
وذكر المجاهد أن الهجوم الأخير "تعبير عن مقاربة إسرائيلية جديدة توظّف التكتيك البحري والهجمات الجوية لتوسيع نطاق الردع وكسر التمركزات الحوثية، حتى ولو كانت مدنية في ظاهرها".
في المقابل، اعتبرت قيادات حوثية على مواقع التواصل الاجتماعي أن لجوء إسرائيل إلى استخدام الطيران المسيَّر و"الضرب من خارج الأجواء اليمنية بدلاً من استخدام المقاتلات النفاثة، دليل على فاعلية الدفاعات الجوية في التصدي للضربات السابقة، ما أجبر العدو على تغيير استراتيجيته".
لكن السياسي آزال الجاوي يرى في استخدام إسرائيل للطيران المسيَّر "تطورًا عسكريًا خطيرًا وتغييرًا جوهريًا في مسار المعركة، يقلّص من حجم التكاليف المادية والوقت والمسافة على الكيان، ويمنحه القدرة على تنفيذ ضربات متواصلة على مدار الساعة ضد أهداف يمنية".
وتابع في تغريدة على منصة "إكس" أن إسرائيل أصبحت الآن "أكثر قدرة على ضرب الموانئ بشكل متواصل ومستمر، وخلق أزمة حقيقية في الإمداد والتموين، وباتت فعليًا قادرة على فرض حصار بحري على اليمن".