عادت قضية إقامة إقليم البصرة جنوبي العراق إلى الواجهة بعد إعلان مفوضية الانتخابات في المحافظة إطلاق استمارات جمع التواقيع الخاصة بالمشروع، ما أثار ضجة واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية، وأعاد ملف الأقاليم إلى دائرة الجدل مجددًا.
ومنذ ساعات، تعيش الأوساط العراقية على وقع تضارب وجدل بين مفوضية الانتخابات ومنظمات مدنية تقود الحراك في البصرة، إثر الإعلان الأولي عن بدء توزيع الاستمارات.
وقال مدير مكتب المفوضية، حيدر محمد، لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، إن "المفوضية زودت استمارات مخصصة لجمع تواقيع 2% من ناخبي المحافظة، وبعد تدقيق هذه التواقيع، وفي حال ثبوت صحتها، سيتم فتح مراكز تسجيل لاستقبال طلبات وتواقيع 10% من الناخبين، تمهيدًا لاستكمال المتطلبات القانونية".
وذكر أن الطلب، بعد تدقيق صحته بشكل كامل، يُرفع إلى مجلس الوزراء لتحديد موعد الاستفتاء بشأن تشكيل إقليم البصرة، ليقول الناخبون كلمتهم النهائية في هذا الخيار الدستوري.
لكن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بغداد نفت تلك الأنباء، مؤكدة أن أي حديث عن منح موافقة رسمية لإطلاق أو توزيع استمارات جمع التواقيع غير دقيق.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي، إن "المفوضية لم تصدر أي كتاب أو موافقة رسمية تتعلق بإطلاق أو توزيع استمارات جمع التواقيع الخاصة بتشكيل إقليم البصرة"، مشددة على أن "الكتاب المتداول غير صحيح، ولا يمثل موقف المفوضية في بغداد".
وتعود قضية إقليم البصرة إلى ما بعد عام 2003، حيث برزت للمرة الأولى بشكل علني في سياق النقاشات المتعلقة بطبيعة النظام الاتحادي، قبل أن تتجدد بين الحين والآخر مع تصاعد الأزمات الخدمية والاقتصادية في المحافظة، التي تُعد الشريان النفطي والاقتصادي الأبرز للبلاد.
بدوره، قال رئيس المنظمة الراعية للحراك الجديد بصرياثا للثقافة الفيدرالية، عمار سرحان، إن "التحرك نحو إقليم البصرة تقوده منظمة مجتمع مدني مختصة بالشأن الفيدرالي، وعملها قائم منذ سنوات على التثقيف الدستوري بحقوق المحافظات ضمن النظام الاتحادي".
وأضاف سرحان، لـ"إرم نيوز"، أن "المنظمة تقدمت بطلب رسمي إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للحصول على استمارة نسبة 2% لجمع التواقيع، استنادًا إلى قانون رقم 13 لسنة 2008 والمادة 119 من الدستور العراقي"، مبينًا أن "المفوضية وافقت أصوليًا على منح الاستمارات وفق السياقات الإدارية المعتمدة".
وأشار إلى أن "عدد الناخبين في البصرة يتجاوز مليونًا وستمئة ألف ناخب، ما يعني أن نسبة 2% تعادل أكثر من 32 ألف توقيع، وسيتم جمع عدد أكبر لإبداء الرغبة وفق القانون".
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية بآراء متباينة، تراوحت بين مؤيد يرى في المشروع استحقاقًا دستوريًا، ومعارض يتحفظ على نتائجه الإدارية والسياسية، في ظل تجارب سابقة لم تُستكمل لأسباب مختلفة.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، عرفات كرم، إن "إطلاق مفوضية الانتخابات استمارة طلب تشكيل إقليم البصرة هو احترام لرغبة أهلها، وتطبيق لروح الدستور، لأنه يعني التوزيع العادل للسلطة والثروات، والمكون السني أولى بتشكيل الأقاليم لأنه سينجو من سطوة الميليشيات وتدخلاتها السافرة، ويتحرر من ساسة فاسدين لا هم لهم إلا أنفسهم".
في المقابل، تخشى أوساط سياسية من أن تتحول إقامة الأقاليم إلى بوابة لتوسيع الانقسامات داخل البلاد، أو أن تُستغل سياسيًا في ظل تعقيدات المشهد العراقي وتداخل الملفات الخدمية والسياسية.
من جهته، أوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أن "الدستور العراقي في مواده من 116 إلى 121 أجاز إنشاء الأقاليم سواء من محافظة واحدة أو أكثر، أو الانضمام إلى إقليم قائم"، مشيرًا إلى أن "المادة الأولى من الدستور نصت بوضوح على أن العراق دولة اتحادية".
وقال التميمي، لـ"إرم نيوز"، إن "قانون رقم 13 لسنة 2008 نظم الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بدقة، وحدد آليات تقديم الطلب والاستفتاء الشعبي"، مؤكدًا أن "حق إنشاء الأقاليم والاستفتاء مكفول دستوريًا، ولا يمكن تقييده خارج الأطر القانونية".
وسجلت البصرة محاولات سابقة للسير بهذا المسار، أبرزها في عامي 2008 و2015، حيث جُمعت تواقيع وجرى استيفاء بعض الشروط، قبل أن تتوقف الإجراءات عند مراحل لاحقة لأسباب إدارية وسياسية.
وتمثل محافظة البصرة الرافعة المالية الأبرز للاقتصاد العراقي، إذ تعتمد الموازنات العامة بدرجة كبيرة على صادراتها النفطية وموانئها الحيوية، في وقت لا ينعكس هذا الثقل الاقتصادي على الواقع المعيشي لسكانها.
والمحافظة التي تؤمن النسبة الأعلى من إيرادات الدولة، ما زالت تعاني معدلات مرتفعة من البطالة، واتساع رقعة الفقر، وتهالك البنى التحتية، إلى جانب ضعف الخدمات الأساسية، وهو ما يغذي المطالبات المحلية بإعادة توجيه الموارد وضمان إدارتها بما يحقق عوائد مباشرة للداخل البصري.