logo
العالم العربي

أسباب "مصيرية" تعرقل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم

أسباب "مصيرية" تعرقل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم
لاجئون سوريونالمصدر: مواقع التواصل الاجتماعي
31 أغسطس 2025، 10:29 ص

بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب في سوريا، لا يزال حلم العودة إلى الديار بعيد المنال بالنسبة لملايين السوريين المشرّدين، حيث كشف تقرير نشرته مؤسسة "فاير أوبزرفر" الإعلامية الدولية، عن العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تُبقي نحو ستة ملايين لاجئ خارج حدود وطنهم، رغم سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في أواخر عام 2024.

أخبار ذات علاقة

لاجئون في ألمانيا

الاتحاد الأوروبي يخطط لفرض إجراءات صارمة على طالبي اللجوء

وتعود جذور المأساة السورية إلى عام 2011، عندما خرجت تظاهرات سلمية متأثرة برياح "الربيع العربي" في دمشق وحلب وعدد من المدن الكبرى.

ردّ النظام آنذاك بقوة مفرطة، لتندلع حرب طويلة حصدت أرواح مئات الآلاف وشرّدت أكثر من نصف سكان البلاد، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 25 مليون نسمة.

وأجبرت الحرب نحو 13 مليون شخص على النزوح داخليًّا، بينما دفعت قرابة ستة ملايين إلى اللجوء خارج البلاد، ولا سيما في تركيا ولبنان والأردن. أما البقية، فوجدوا ملاذًا في أوروبا وأمريكا الشمالية، ليشكّل السوريون إحدى أكبر موجات اللجوء في القرن الحادي والعشرين.

يحدّد التقرير مجموعة من العوامل المعقّدة التي تجعل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم شبه مستحيلة في المدى المنظور. فاستمرار الصراع الإقليمي يلقي بظلاله الثقيلة على أي احتمال للعودة، إذ تبقي المواجهات المتكررة بين إسرائيل وحزب الله وحماس، إلى جانب الضربات عبر الحدود، الأوضاع الأمنية في حالة هشاشة دائمة تجعل فكرة العودة محفوفة بالمخاطر. 

وإلى جانب ذلك، يرزح الاقتصاد السوري تحت وطأة انهيار شامل؛ ففرص العمل شبه معدومة، والبنية التحتية مدمّرة، والناتج المحلي الإجمالي في مستويات متدنية غير مسبوقة؛ ما يجعل من الصعب على اللاجئين إعادة بناء حياتهم في الداخل.

صراف سوري بعد انهيار الليرة السورية

كما أن الاندماج التدريجي في المجتمعات المضيفة يشكّل عاملًا أساسيًّا في تثبيت واقع اللجوء. فبعد أكثر من عقد في المنفى، تكيف كثير من السوريين مع بيئاتهم الجديدة، حيث تعلّم الأطفال لغات مختلفة وانخرطوا في أنظمة تعليمية وأسواق عمل بعيدة عن واقعهم السابق. 

يضاف إلى ذلك الخوف المستمر من نزوح جديد، إذ يخشى اللاجئون أن تتكرر موجات العنف في حال عودتهم؛ ما يجعلهم مترددين في اتخاذ هذه الخطوة، خاصة في ظل صعوبة العودة إلى بلدان اللجوء مجددًا إذا اندلعت مواجهات جديدة.

ويعمّق هشاشة هذا الواقع الوضع القانوني غير المستقر الذي يعيشه معظم اللاجئين في دول الجوار. فتركيا ولبنان والأردن، وهي الدول التي تستضيف النسبة الكبرى منهم، لم تصادق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951؛ ما يجعل غالبية السوريين عرضة للاستغلال ولسياسات تقييدية وخطابات كراهية متصاعدة. 

وإلى جانب كل ذلك، أسهم تراجع المساعدات الدولية، خصوصًا مع السياسات الانعزالية التي تبنّتها الإدارة الأمريكية السابقة، في تقليص برامج الإغاثة والحدّ من التمويل المخصص لدعم اللاجئين أو لإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة داخل سوريا.

ويشبّه التقرير واقع السوريين اليوم بتجربة المهاجرين الإيطاليين إلى الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، حيث دفعت قسوة الأوضاع في الوطن العائلات للبقاء، ومع مرور الوقت اندمجت الأجيال الجديدة وأصبح خيار العودة غير مطروح.

مشهد قاتم ومستقبل غامض

تشير المعطيات إلى أن عودة واسعة النطاق للاجئين تبدو بعيدة المنال. فالحكومة الجديدة لم تُظهر استعدادًا لإقامة نظام حكم شامل أو لإطلاق مسار إصلاحي حقيقي، بل أعادت إنتاج أنماط الحكم السلطوي القديمة من خلال تعيين أعضاء البرلمان مباشرة.

ويتوقع التقرير أن تمضي البلاد نحو مزيد من التشظي الطائفي والمناطقي، في ظل غياب حلول سياسية شاملة واستمرار الأزمات الأمنية والاقتصادية.

وفي المقابل، يواصل اللاجئون ترسيخ وجودهم في المجتمعات المضيفة، حيث ينشأ جيل جديد يتحدث التركية أو الألمانية أو الإنجليزية أكثر من العربية؛ ما يزيد تعقيد احتمالات العودة على المستويين الثقافي والاجتماعي. ورغم تمسك كثيرين بارتباطهم العاطفي بالوطن، فإن الواقع يفرض حقيقة أن العودة قد لا تكون خيارًا في المستقبل القريب.

ويختتم التقرير بتقدير حذر: "قد تحمل السنوات المقبلة تحولات غير متوقعة، لكن حتى ذلك الحين، سيظل الشتات السوري جزءًا ثابتًا من المشهد الإنساني العالمي."

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC