ستكون الدعوة التي وجّهها مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، لحل الحزب وإلقاء السلاح، تاريخاً مفصلياً في علاقة المكوّن الكردي مع الدولة التركية، بل ستؤثر بلا شك على أكراد سوريا الذين يخوضون حتى الآن صراعاً سياسياً مع الحكم الجديد، ما ينذر بتهديد مكاسبهم الجغرافية بسيطرتهم على نحو ثلث مساحة البلاد.
ومن عزلته الكاملة بسجن جزيرة إمرالي جنوبي بحر مرمرة، قال أوجلان في كلمته التاريخية "لا سبيل سوى الديمقراطية والحوار الديمقراطي ولا بقاء للجمهورية إلا بالديمقراطية الأخوية". وأكد أن "لغة العصر هي السلام والمجتمع الديمقراطي بحاجة إلى التطوير".
وقد تنهي هذه الدعوة 41 عاماً من التمرّد الكردي التي اشتدّ في تسعينيات القرن الماضي، وتشكل انتكاسة للحلم الكردي بإنشاء "وطن قومي" للأكراد، عبر الإقرار بعجز الخيار العسكري عن تحقيقه، واللجوء إلى "الحوار الديمقراطي"، كما قال أوجلان في كلمته التي أعلن فيها "تحمّل المسؤولية التاريخية" لدعوة إلقاء السلاح.
ومما يزيد من شعور الهزيمة الكردي أن دعوة أوجلان تأتي في وقت يجري فيه الترويج لعملية سلام جديدة بين الدولة التركية والأقلية الكردية، فيما تصعّد الحكومة التركية حملتها ضد الأكراد عبر إقالة رؤساء بلديات لصلاتهم بالحزب واعتقالات الناشطين.
قد لا تكون هذه أول مرة يوجّه فيها الزعيم الكردي دعوة تاريخية للسلام، إذ سبق أن وجّه دعوة مماثلة في رسالة تمّت قراءتها أمام حشد كبير في ديار بكر في العام 2015. وحثت رسالته حينها حزب العمال الكردستاني على عقد مؤتمر لمناقشة إنهاء الكفاح المسلح ضد تركيا، مع التركيز على الانتقال إلى السياسة الديمقراطية.
لكن المختلف اليوم التسريبات التي كانت تتحدث قبل أشهر قليلة عن "صفقة" يخرج بموجبها أوجلان من السجن الذي يقبع فيه منذ 1999، إذ يُعلن بمجرد خروجه حل الحزب والتخلي عن السلاح، وهي التسريبات التي أحدثت صدعاً لدى المكوّن التركي، قبل أن تنجح المعارضة السورية بخلع نظام بشار الأسد، وخلق واقع جيوسياسي جديد في المنطقة، لتعيد خلط الأوراق الكردية من جديد.
الآن وقد حدثت كل هذه التسريبات على أرض الواقع، بدعوة حل الحزب وإلقاء السلاح، فإن الأوراق الأخرى من "الصفقة" لا تزال مطوية، وقد تتضمّن ما سيحققه أوجلان من مكاسب سياسية وتعديلات دستورية، هذا على اعتبار أن تلقى الدعوة استجابة من قبل الحزب بإلقاء السلاح، وهو أمر لم يحدث رغم أن الدعوة ليست جديدة.
أوجلان الذي غيّر موقفه نحو الدعوة إلى الكونفدرالية الديمقراطية والحل السلمي للقضية الكردية، لا يزال تأثيره كبيراً بين الحركات الكردية في تركيا والعراق وإيران.. وسوريا.
فلا شك أن صدى هذه الدعوة سيسمع بوضوح أكثر في شرق سوريا، حيث تقيم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إدارة ذاتية تسيطر فيها على ثلاث محافظات هي: الرقة والحسكة ودير الزور وأجزاء من حلب، وتقدر المساحة الجغرافية التي تقع تحت سيطرة "قسد" بحوالي 60 ألف كيلومتر من إجمالي مساحة البلاد البالغة 185 ألف كيلومتر.
والأصعب أنها تأتي في ظل أزمة وجود تهدد السيطرة الكردية على شرق سوريا الغني بالثروات، مع الدعوات القادمة من "دمشق الجديدة" والمطالبة بالاندماج في "الدولة الجديدة" وجيشها من دون أن يكون لها "مكوّن ناشز".
وتمهّلت الإدارة السورية الجديدة في خطوة شن هجوم ضد قسد في المنطقة الشرقية، مفضلة الحوار الذي أفضى بحسب الرئيس السوري، أحمد الشرع، على التوصل المبدئي لتخلي قسد عن سلاحها واندماجها في الجيش، رغم إقراره بأن هناك بعض الخلافات القائمة.
والتنازلات "القسدية" إن حدثت أو ستحدث لن تكون بمعزل عن أنباء الصفقة في أنقرة، ودعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للانسحاب من سوريا، والتخلي عن مهمة حماية الأكراد، وإصرار الإدارة السورية الجديدة على بسط سيطرتها على كل البلاد وثرواتها.