تواجه خطة إعادة إعمار قطاع غزة تحديات كبرى، تتجاوز حجم الدمار الذي يُقدّر وفق آخر الإحصاءات الأممية بين 70 إلى 90 مليار دولار، وسنوات الإنجاز التي قد تمتدّ إلى عقود، إذ تبرز إشكاليات أساسية تبدأ من نجاح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمكوّنة من 20 نقطة.
ومن أبرز النقاط "الغامضة" مستقبل حماس في غزة، وإمكانية نزع سلاح الحركة، وهما بندان تصرّ إسرائيل على تطبيقهما، ولطالما لوّحت باستئناف القتال إذا لم تضمن خطة ترامب "زوال حماس" تنظيمًا وسلاحًا من القطاع.
كما أن الخلافات الفلسطينية حول حكم غزة ما بعد الحرب، من أعقد المعيقات أمام إعادة إعمار القطاع، فبينما أعلنت حماس مرارًا أن الحركة لن تحكم غزة بعد الحرب، وستُوافق على هيئة فلسطينية مدعومة دوليًا، إلا أن التوترات بين الفصائل، خاصة بين حماس والسلطة في الضفة، تُعيق تشكيل حكومة موحدة.
ووفق باحثين سياسيين واقتصاديين فلسطينيين، فإن "المرحلة الثالثة" من خطة ترامب ستكون "العقدة" في إمكانية إعادة الإعمار حيث هناك اشتراطات عربية ودولية أن تنشأ في القطاع سلطة فلسطينية معترف بها دوليًا، في ظل رفض توفير المتطلبات المادية حال حكم أو سيطرة فصيل واحد، يتسبب في حرب جديدة تؤدي إلى تدمير القطاع مجددًا بعد تمويل بنائه من خلال دول عربية وأوروبية.
وستكون عملية إعادة الإعمار، وفق خبراء، مرتبطة باستقرار الأوضاع الأمنية وانتقال الأطراف المعنية بوقف الحرب إلى المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ، التي ستفكك وتعالج القضايا الشائكة وفي مقدمتها وضع السلاح داخل القطاع، وشكل الحكم، ومستقبل قيادات وعناصر الفصائل وفي المقدمة حركة حماس.
وتقسم عملية إعادة الإعمار مبدئيًا إلى 3 مراحل، الأولى التعافي عبر تحسين الأوضاع وتهيئة البنية التحتية وتوصيل الخدمات الرئيسية من المياه والكهرباء وشبكات الصرف، ثم المرحلة الثانية التي تنطلق من تشييد ما تضرر جزئيًا من مبانٍ ومنشآت خلال الحرب وهي عملية "الترميم".
أما المرحلة الثالثة ستُخصّص لإعادة بناء المنشآت التي دُمّرت بالكامل وهي كبيرة في ظل تدمير مدن غزة وخان يونس وشمال القطاع وأجزاء كبيرة من أحياء مدينة غزة، وسط تقديرات زمنية تتحدث عن مدة من 10 إلى 15 عامًا لإعادة الإعمار بصورة كاملة في ظل الدمار الهائل.
وفي هذا الصدد، أكدت مصادر دبلوماسية عربية رفيعة المستوى، أنه بعد انتهاء مؤتمر شرم الشيخ للسلام، يتم التجهيز لعقد اجتماعات ثنائية بين رؤساء وقادة دول عربية وأوروبية في الفترة القليلة القادمة، للوقوف على تفاصيل شكل ومضمون إعادة الإعمار وبحث المشاركات المالية للدول الممولة، قبل الذهاب إلى المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار.
وبينت المصادر في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أنّ توفير التمويل هو محور المباحثات لتحديد المشاركة المالية للدول والتفاصيل الفنية واللوجستية ليس هو الأساس، بقدر ضمان الاستقرار في القطاع بوجود سلطة للحكم في غزة يتوافق عليها المجتمع الدولي وأن يكون هناك اطمئنان كامل بالوصول إلى ضبط الوضع الأمني وعدم وجود أي فرصة في المستقبل لعودة الحرب على القطاع أو اقتتال داخلي.
واعتبر الباحث الاقتصادي الفلسطيني، د.مازن العجلة، أن عملية إعادة إعمار القطاع ستتم في ظروف معقدة سياسيًا واقتصاديًا وفنيًا في ظل خسائر واسعة وعميقة طالت معظم أوجه الحياة، وبالتالي منهج الإعمار، على أن الظروف التقليدية لن تكن مجدية.
ويعكس حجم الخسائر والدمار في القطاع مدى تعقيد العملية وتمويلها ومدتها الزمنية، مع تدمير 300 ألف وحدة سكنية بالقطاع، ما يمثل 60% من المنازل التي يصل عددها 500 ألف وحدة.
وبيّن العجلة في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن التدمير الجزئي أصاب حوالي 84% من المرافق الصحية وواكب ذلك نقص المياه والكهرباء وتعطيل كافة المرافق، وإصابة نظام التعليم بالانهيار التام وبات 100% من الطلاب خارج المدرسة بسبب الحرب، وتعطلت أنظمة الطاقة وتوليد الطاقة الشمسية، ما أدى إلى انقطاع شبه كلي لهذه المنظومة.
واستكمل أن حوالي 92% من الطرق الرئيسية تدمرت كليًّا في القطاع بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي تقدر بـ70 ألف شخص حتى الآن، إضافة إلى المفقودين والأجسام المتحللة تحت الردم، وسط تقارير تشير إلى وصول العدد إلى 100 ألف شخص.
وعلى صعيد الخطط التنفيذية، أشار العجلة إلى أن خطة السلطة الفلسطينية تشمل تفاصيل كاملة لإعادة الإعمار وتستند إلى خطة الجامعة العربية التي أقرت في القمة السابقة بالقاهرة، والخطتان هما "المايسترو" في عملية إعادة الإعمار.
كما أوضح أن الاحتياجات التمويلية ستكون كبيرة للغاية، مع تقدير البنك الدولي لوصول الاحتياجات التمويلية إلى 70 مليار دولار، مشيرًا إلى أن المدة الزمنية من شمولية التدمير وعمقه، لن تقل من 7 إلى 10 سنوات في حال وجود مؤسسات بناء من خارج القطاع تساعد في عملية إعادة الإعمار، وبالتالي المشكلة يجب أن تكون تحت تصرف المجتمع الدولي.
فيما تؤكد الباحثة الفلسطينية، الدكتورة تمارا حداد، أن ملف إعادة الإعمار يجب أن يأتي بأكثر من مقوم، في الصدارة ترتيب الداخل الفلسطيني وصياغة اليوم التالي بأن يكون فلسطينيًا بحتًا، حتى لو بشراكة عدد من القوات العربية والدولية.
وأضافت حداد في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الدول الممولة معنية بالتيقن بعدم العودة لحروب في غزة "لأنهم لن يقدموا أموالًا للإعمار في حال وجود حتى لو نسب ضعيفة لاستئناف القتال".
وأشارت إلى أن التقدير الإجمالي حتى الآن لإعادة الإعمار 60 مليار دولار وحجم إزالة الركام الضخم ومخلفات الدمار بحاجة إلى 3 أعوام وعشرات المليارات من الدولارات لإتمام ذلك، والأهم التفتيش عن الأجسام القابلة للانفجار والمتفجرات، وهو ما يحتاج مدة زمنية طويلة.
وأردفت أن مراحل الإعمار تبدأ بالاستجابة الطارئة من الناحية الإنسانية الفورية بإدخال المساعدات من غذاء ودواء وتشغيل الطوارئ في المستشفيات والقيام بتقييم لأعداد النازحين وإمكانية عودتهم لأماكنهم التي ما زالت قائمة، فضلًا عن إزالة الحطام وأن يكون القيام بالبنية التحتية والهيكلة التنظيمية في هذه الأماكن، بحسب رؤية البلديات وهو ما يحتاج لفرق متخصصة.
وشددت حداد على أهمية العمل على الذهاب لبناء منازل سريعة مسبقة التجهيز ومحطات مياه متنقلة وإصلاح شبكات توزيع الكهرباء، والبدء بإقامة طرق رئيسية وإعادة هيكلة هندسة قطاع غزة ووضع تصميم عمراني جديد، لافتة إلى أن التعافي لا يخلو من إعادة الحكم الرشيد والأمن بشكل سريع مع ضرورة دعم المشروعات الصغيرة لأهالي القطاع لتشغيل عجلة المعيشة اليومية.
وبدوره، أوضح الباحث في الشؤون السياسية الفلسطينية، د.منصور أبو كريم، أن عملية إعادة الإعمار مرتبطة باستقرار الأوضاع الأمنية وانتقال الأطراف إلى المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ، والتي ستفكك وتعالج القضايا الشائكة وفي الصدارة السلاح والحكم والقيادات في حال انتهاء استقرار الأوضاع، وصولًا إلى عمل الإدارة المحلية الفلسطينية ووجود قوات عربية ودولية، وهنا قد يبدأ الحديث عن جهود إعادة الإعمار.
ووفق أبو كريم في تصريحات لـ"إرم نيوز"، فإن التقديرات الأولية ما زالت تتحدث عن ما بين 70 إلى 90 مليار دولار في ظل تدمير كامل للبنية التحتية والحيوية، والقطاعات الاقتصادية، والزراعية، والصناعية، والتعليم، والصحة، مع حرب الإبادة، وبالتالي جهود الإعمار مرتبطة بالتوافقات حول القضايا الشائكة الأخرى التي لم تعالج بعد.
وتقسم عملية إعادة الإعمار بحسب أبو كريم إلى 3 مراحل، الأولى التعافي عبر تحسين الأوضاع، وتهيئة البنية التحتية، وتوصيل الخدمات الرئيسية من المياه والكهرباء وشبكات الصرف، ثم المرحلة الثانية التي تنطلق من بناء ما تضرر جزئيًا من مبانٍ ومنشآت خلال الحرب "الترميم".
أما المرحلة الثالثة ستخصص لإعادة بناء المنشآت التي دمرت بالكامل وهي كبيرة في ظل تدمير مدن غزة وخان يونس وشمال القطاع وأجزاء كبيرة من أحياء مدينة غزة، والتقديرات الزمنية تتحدث عن 10 إلى 15 عامًا لإعادة الإعمار بصورة كاملة في ظل الدمار الهائل.
وذكر أن هناك مرحلة أولية تتمثل في إزالة الردم ومخلفات الحرب وهي مرحلة صعبة وتصل تقديراتها الزمنية من عامين إلى 5 أعوام، لإزالة الركام ومخلفات المباني التي تم تدميرها خلال حرب الإبادة، وبالتالي مراحل إعادة الإعمار طويلة ومعقدة ومرتبطة باستقرار الوضع السياسي والأمني.