غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة جنوبي لبنان
شهدت غزة هذا الأسبوع جولة عنف قصيرة لكنها مكثفة، أظهرت مدى هشاشة وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه قبل عشرة أيام بين إسرائيل وحماس.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه رغم أن الاشتباكات لم تدم سوى ساعات، فإنها سلطت الضوء على صعوبة الحفاظ على الهدنة، وعلى التعقيدات التي تواجه جهود الوساطة الدولية في المنطقة، خصوصًا مع تصاعد التوترات بين الطرفين وارتباطها بمصير الرهائن الفلسطينيين لدى إسرائيل.
انتهاكات متبادلة
بدأت الجولة الجديدة يوم الأحد عندما أطلق مسلحون فلسطينيون صاروخًا مضادًّا للدبابات على آلية عسكرية إسرائيلية في رفح؛ ما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة ثالث.
وصف الجيش الإسرائيلي الهجوم بأنه انتهاك صارخ لوقف إطلاق النار، بينما نفت حماس مسؤوليتها عنه، مشيرة إلى فقدان السيطرة على وحدتها في المنطقة.
وردّت إسرائيل بقصف منشآت تابعة لحماس؛ ما أدى إلى مقتل 44 فلسطينيًّا في القطاع، وأعلنت مؤقتًا قطع المساعدات الإنسانية، قبل أن تُستأنف التدفقات بعد تدخل وسطاء دوليين.
وأثبتت هذه الجولة أن الخطوط الفاصلة بين الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل وتلك التابعة لحماس غير واضحة، وأن الهجمات قد تحدث بشكل شبه يومي؛ ما يضع الهدنة تحت ضغط مستمر.
حتى المسؤولون الإسرائيليون أدركوا هشاشة الوضع: فاليمين المتطرف داخل الحكومة طالب بمواصلة الضربات، بينما تدخل الوسطاء الأمريكيون لإعادة ضبط الردود العسكرية، وهو ما يعكس التأثير الخارجي المستمر على السياسات الإسرائيلية وتوازنها بين الردع العسكري والاعتبارات الدبلوماسية.
تحديات الحفاظ على الهدنة
بالإضافة إلى الضغط العسكري، تواجه الهدنة تحديات دبلوماسية كبيرة؛ حيث وصلت إلى المنطقة عدة وفود أمريكية، بمن في ذلك جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، ومسؤولون آخرون، مثل: نائب الرئيس جيه دي فانس، لتعزيز خطة السلام ومتابعة مسألة الرهائن الفلسطينيين لدى إسرائيل.
وحتى الآن سلّمت حماس 14 من رفات الأسرى، بينما لا يزال عدد مماثل بمصير غامض في القطاع؛ ما يجعل مسألة الرهائن عاملًا حاسمًا في تحديد مستوى التوتر واستمرارية وقف إطلاق النار.
كما تكشف تصريحات قادة حماس عن تعقيدات السيطرة الداخلية: فالحركة لم تكن قادرة على التحكم الكامل في وحداتها في رفح؛ ما يعكس هشاشة السلطة المحلية وقدرتها على تنفيذ اتفاق شامل للهدنة، بينما يوضح رد الجيش الإسرائيلي أنه مستعد للرد بقوة في أي وقت، وهو ما يزيد احتمال استمرار التصعيد.
ويضيف الخبراء للصحيفة الأمريكية أن الهجمات الأخيرة تمثل درسًا لإسرائيل عن قدرات حماس واستمراريتها كقوة مهيمنة في غزة، وأن أي محاولات لنزع سلاحها بالقوة ستكون صعبة ومعقدة، خاصة مع تعزيز حماس لهيمنتها عبر القضاء على منافسيها المحليين، وهو ما يجعل مسألة الحفاظ على وقف إطلاق النار مرتبطًا بالقدرة على إدارة النزاع الداخلي الفلسطيني وضبط الجماعات المسلحة.
سيناريوهات مستقبلية
يتفق المحللون على أن جولة الأحد لا تمثل نهاية التوتر، بل بداية لفترة قد تشهد انتهاكات شبه يومية واشتباكات محدودة أو واسعة النطاق.
ويشير تمير هايمان، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في إسرائيل، للصحيفة إلى أن استمرار وقف إطلاق النار يعتمد على الوسطاء الدوليين، وعلى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات إستراتيجية، بما في ذلك الحفاظ على كرامة حماس في حال انسحابها من بعض مواقع السلطة.
من وجهة نظر فلسطينية، يرى محمد الأسطل، المحلل السياسي في غزة، أن حماس تسعى إلى مخرج مشرّف يحافظ على دورها السياسي والعسكري الجزئي في القطاع، في ظل ضغط داخلي وخارجي هائل.
وأضاف أن أي محاولة لإجبارها على الاستسلام الكامل أو نزع سلاحها بطريقة مهينة قد تفشل في تحقيق السلام، بينما التنازلات المحدودة قد تتيح استمرار وقف إطلاق النار وتحريك عملية السلام نحو خطوات ملموسة.
في المقابل، يواجه الجانب الإسرائيلي تحديًا مزدوجًا: تحقيق الردع الأمني ضد أي هجمات مستقبلية، وضبط تصعيد الردود العسكرية بما لا يقوّض جهود الوساطة الأمريكية والخطط الدبلوماسية المرتبطة بوقف إطلاق النار.
وتُظهر هذه المعادلة الحساسة أن الهدنة الحالية هشة، وأن أيّ تصعيد إضافي، حتى لو كان محدودًا، قد يجر المنطقة إلى حلقة جديدة من العنف المستمر والاستنزاف البطيء.
وأكد التصعيد الأخير هشاشة الهدنة في غزة، وأبرز الصعوبات التي تواجه إسرائيل وحماس في الحفاظ على الاتفاق، وسط ضغوط داخلية وخارجية.
بينما يسعى الوسطاء الدوليون لاستقرار الوضع، يبقى مستقبل الهدنة مرتبطًا بقدرة الطرفين على السيطرة على وحداتهما المسلحة، واستمرار التنسيق حول الرهائن، واستعداد حماس لتقديم تنازلات تحفظ كرامتها؛ ما يجعل الأيام المقبلة حساسة وحاسمة لمسار الصراع في القطاع، وفقا لتقرير الصحيفة.