عاد ملف انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق إلى الواجهة مجددًا، بعد أن أثارته ميليشيات مسلحة بتصريحات وتصعيد إعلامي، فيما يرى مراقبون أن إثارة هذا الملف تأتي في سياق الرد على الضغوط الأمريكية المتزايدة تجاه الحشد الشعبي.
وبعد توقف الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، بدأ تركيز واشنطن يتحول تدريجياً نحو العراق، وتحديداً نحو ملف الفصائل المسلحة، سواء عبر مؤشرات دبلوماسية أو حوارات أمنية مغلقة، مع ارتفاع مستوى التنسيق الأمريكي مع الحكومة العراقية بخصوص إعادة تقييم دور التحالف الدولي داخل الأراضي العراقية.
وخلال الاتصال الهاتفي الأخير بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تم بحث ملفات متعددة بينها التزامات بغداد تجاه التحالف الدولي، وضرورة منع أي تهديد للقوات الأجنبية العاملة في العراق، وهو ما اعتبرته بعض الفصائل نوعًا من الإملاء السياسي غير المقبول.
لكن "أبو علي العسكري"، المسؤول في كتائب حزب الله، قال إن "اتفاق انسحاب القوات الأمريكية من العراق، والذي تم التوصل إليه مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل شهرين، لم يُنفّذ حتى الآن، ولم يسجل أي تغيير ميداني في أوضاع القوات الأجنبية"، مشددًا على أن "المقاومة ملتزمة بما تم الاتفاق عليه، لكنها تنتظر تنفيذ الانسحاب الفعلي من كل الأراضي العراقية"، محذراً من أن "التأخير المستمر قد يدفعنا إلى اتخاذ موقف مختلف، وسيكون لنا كلام آخر في حال لم تُحترم التفاهمات" وفق تعبيره.
ويقول مختصون إن الفصائل العراقية تمارس ضغوطاً متزايدة على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لسببين رئيسين؛ الأول يرتبط بقرب موعد الانتخابات التشريعية، ومحاولة بعض الفصائل تعزيز حضورها السياسي عبر خطاب "السيادة الوطنية"، والثاني يتعلق بتخفيف الضغط الأمريكي على ملف الحشد الشعبي، بعد التصريحات الأخيرة الصادرة من واشنطن.
وقال الباحث في الشأن السياسي عبدالله الركابي، إن "الفصائل تحرّكت باتجاه إحياء ملف إخراج قوات التحالف كرد فعل مباشر على الضغوط الأمريكية المتصاعدة بشأن الحشد الشعبي"، مبينًا أن "ما يجري هو صراع إرادات إقليمي ودولي داخل الأراضي العراقية".
وأضاف الركابي لـ"إرم نيوز" أن "الحديث عن انسحاب قوات التحالف يأتي هذه المرة في توقيت حساس، لأن أغلب القوى السياسية منشغلة بالتحضير للانتخابات، وبالتالي فإن هذا الخطاب يشكل عنصر تعبئة وتمايز ضمن جمهور الفصائل".
ومن المقرر أن تنفذ قوات التحالف الدولي انسحاباً تدريجياً من الأراضي العراقية بحلول نهاية العام المقبل، وفق الجدول المتفق عليه بين بغداد وقيادة التحالف، والذي يشمل تقييمات مشتركة لكل قطاع أمني تنتشر فيه القوات الأجنبية، بما في ذلك مناطق شمال وغرب البلاد.
وكان العراق قد أبرم اتفاقات مبدئية مع التحالف الدولي بشأن آلية انسحاب القوات الأجنبية، بعد جولات مفاوضات استمرت لأشهر، شملت جوانب ميدانية ولوجستية، إضافة إلى ترتيبات تخص قاعدة عين الأسد وبعض المواقع العسكرية الأخرى، حيث من المفترض أن تتحول مهام التحالف إلى "دعم استشاري وتقني" فقط.
لكن مع تطورات الأوضاع الإقليمية، خاصة بعد تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة داخل العراق، وارتفاع وتيرة التحذيرات الأمنية الغربية، ذكرت تقارير أن بغداد طلبت من واشنطن فعلياً الإبقاء على بعض وحدات التحالف في مناطق محددة، خاصة تلك المرتبطة بالردع الجوي والمراقبة الفنية، وذلك لحين استكمال الجاهزية العسكرية العراقية.
ويأتي ذلك في ظل مواقف داخلية متباينة؛ إذ تدفع بعض القوى الشيعية باتجاه إنهاء الوجود الأجنبي بشكل كامل، بينما تحذّر قوى أخرى من تداعيات الانسحاب على قدرات العراق الأمنية، خاصة في ظل تنامي خطر خلايا تنظيم داعش في بعض المناطق النائية.
من جانبه، قال الخبير الأمني علاء النشوع، إن "ملف انسحاب قوات التحالف الدولي تحول، خلال الشهور الأخيرة، إلى ساحة تجاذب أكثر مما هو ملف أمني يخضع لتقييم ميداني واضح".
وأوضح لـ"إرم نيوز" أن "بعض القوى تتعامل مع وجود هذه القوات كأداة للمزايدة أو كوسيلة ضغط سياسي، دون الالتفات إلى الاحتياجات الفعلية للقوات العراقية أو التحديات الأمنية القائمة في بعض المناطق".
وبيّن أن "القرارات المتعلقة بملف التحالف يجب أن تبنى على تقارير عسكرية ومؤشرات تهديد، لا على اعتبارات انتخابية أو مواقف مسبقة، لأن ذلك يعرّض السيادة الأمنية للبلد إلى مزيد من الارتباك والتناقض".