يثير الجمود الذي تعاني منه الأحزاب السياسية في تونس تساؤلات حول الأسباب التي تقف خلف ذلك، خاصة مصير تلك الأحزاب التي يبلغ عددها نحو 240 حزبًا، بحسب ما كشف مصدر حكومي لـ"إرم نيوز".
وقال المصدر إن "السلطات لم تتخذ بعد أي إجراءات في علاقة بالأحزاب، ولا دخل لها في تراجع نشاطها، لكن الثابت أن هناك رقابة، الآن، على مصادر تمويل سواء الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني، في محاولة لتكريس الشفافية، ومنع تدفق أموال مشبوهة من الخارج".
ويرى عضو حزب التيار الديمقراطي في تونس، مجدي الكرباعي، أن "أول ما يمكن ملاحظته هو أنّ جزءًا كبيرًا من الأحزاب اختار التزام الصمت بدافع الخوف، وهذه الإستراتيجية، وإن كانت مفهومة من زاوية البقاء، فإنها تعكس في ذاتها ضعفًا في القدرة على لعب الدور الطبيعي للأحزاب كوسيط بين السلطة والمجتمع".
وتابع الكرباعي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، "من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار أنّ الكثير من الأحزاب غارقة في أزماتها الداخلية، صراعات قيادات، انقسامات تنظيمية، وخلافات حول التوجهات الإستراتيجية؛ هذه الأزمات جعلت من الصعب على تلك الأحزاب أن تتفرغ للواقع السياسي المتغير أو أن تبني خطة واضحة لمواجهة المرحلة".
وشدّد على أن "الأهم من ذلك هو أنّ التونسيين أنفسهم لم يعودوا يرون في الأحزاب الإطار الطبيعي للعمل السياسي أو وسيلة للتغيير؛ سنوات من التجاذبات داخل البرلمان، ومن الصراعات التي لم تفضِ إلى حلول ملموسة لمشاكل الناس، خلقت هوة عميقة بين الأحزاب والمجتمع، اليوم، عندما تصمت الأحزاب، لا يجد المواطن سببًا للدهشة أو الغضب، لأن العلاقة أصلاً قد انقطعت منذ سنوات".
وبيّن الكرباعي أن "الأحزاب السياسية أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تنخرط في عملية إعادة تأسيس شاملة، بخطاب جديد، بقيادات متجددة، وبقرب أكبر من الشارع وقضاياه، وتتجاوز صراعاتها التاريخية والأيديولوجية التي أصبحت عائقًا؛ هناك أحزاب تتقاسم نفس الأيديولوجيا والخط السياسي، وحان الوقت أن تنصهر وتشكل قاعدة شعبية بدلًا من تفككها".
وتابع أن الخيار الثاني "أن تواصل مسار الذوبان والانحسار إلى أن تختفي كليًا، تاركة المجال لقوى جديدة: حركات مدنية، مبادرات شبابية، أو حتى تنظيمات أخرى أكثر التصاقًا بالواقع الاجتماعي والسياسي".
وهناك العديد من العائلات السياسية في تونس تملك أحزابًا على غرار العائلة الدستورية، والإسلامية، واليسارية، والقومية، لكن معظم تلك الأحزاب تراجعت عن المشهد السياسي.
وقال المحلل السياسي التونسي، محمد صالح العبيدي إن "الأحزاب السياسية في تونس تشهد انهيارًا يكاد يكون تامًا في ظل انحسار نفوذها، وتراجع ثقة الشارع فيها، سواء بسبب عدم إنجاز وعود تم إطلاقها بعد 2011، أو بسبب غياب شفافية تمويلاتها وغير ذلك".
وأضاف العبيدي، في تصريح لـ"إرم نيوز" أن "بعض الأحزاب اندثرت تقريبًا نهائيًا رغم أنها كانت تشكل رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية، مثل حزب نداء تونس، أو المؤتمر من أجل الجمهورية، أو التكتل؛ والسبب الرئيس هو عدم قيامها بمراجعات، ناهيك عن أزماتها الداخلية".