قال عضو البرلمان الأوروبي، السياسي الألماني توماس فرويليش، إن التدخل الإسرائيلي في جنوب سوريا يستهدف تعزيز تفكك الدولة السورية، وهذا يحدث في ظل القبول الضمني بوجود ميليشيات متطرفة لا تخضع لسلطة دمشق.
وأضاف فرويليش في حوار مع "إرم نيوز" أن تحذيراته السابقة بشأن معاناة الأقليات عقب سقوط النظام السوري استندت إلى "قراءة دقيقة للمؤشرات"، معربا عن استغرابه من سخرية بعض البرلمانيين الأوروبيين من تلك التحذيرات، على حد قوله.
وأشار فرويليش إلى أن مجريات الحرب السورية والتاريخ الحديث في الشرق الأوسط "قدّما أدلة واضحة على خطورة سيطرة الجماعات الجهادية"، مشيراً إلى أن تحذيرات حزبه من هذا السيناريو ليست جديدة، بل تعود إلى أكثر من عشر سنوات.
- كيف تنظرون إلى التدخلين التركي والإسرائيلي في سوريا؟
التدخل التركي في سوريا مستمر منذ سنوات، وله مبررات مفهومة على الأقل، أبرزها محاربة ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية/ حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى إنشاء منطقة عازلة على الحدود التركية-السورية بهدف تسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين فرّوا إلى تركيا.
هذه أهداف تصنّف كمصالح وطنية مشروعة لتركيا، ومع ذلك، أنظر إلى هذا التدخل بعين ناقدة. أخشى أن تكون السياسة الخارجية التركية قد فقدت السيطرة على الملف السوري، فالرغبة في إزاحة الأسد أمر غير جيد؛ لأن المعارضة السورية حينها كانت دوماً ذات تركيبة مشكوك فيها، واليوم تزداد هذه الشكوك رسوخاً. هذا الواقع يُهدد الهدف التركي المتمثل في إعادة ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين لاجئ سوري إلى بلادهم.
لذلك، آمل أن تدرك أنقرة أهمية توظيف نفوذها القائم على الحكومة الانتقالية الجديدة، بهدف الحيلولة دون تنفيذ أعمال عدائية ضد الطرف الخاسر في الحرب، وضد الأقليات الدينية.
أما التدخل الإسرائيلي في جنوب سوريا، فيُنظر إليه بسلبية أكبر من حيث تداعياته، إذ يبدو واضحاً أنه يستهدف تعزيز تفكك الدولة السورية. وهذا يحدث في ظل القبول الضمني بوجود ميليشيات متطرفة لا تخضع لسلطة دمشق، وتُشكّل تهديداً دموياً لمن يرفض تبني أيديولوجيتها، كما فعل تنظيم داعش. هذا المشهد يُنذر بتكرار ما حدث عام 2015.
إسرائيل، تتلاعب بهذا الخطر بسخرية، وتتجاهل حق شعوب الجوار في الحياة والسيادة الوطنية.
-الوضع الأمني في سوريا حالياً، بحسب التحذيرات الغربية، هش ويشهد تصعيداً، خاصة في السويداء، كيف تُقيّمون هذا الواقع؟ وما الإجراءات الممكن اتخاذها للتخفيف من تداعيات النزاع، خصوصاً على الأقليات؟
بصراحة، من الصعب على الأوروبيين أن يتدخلوا بشكل مباشر. فمثلاً، تشكيل قوة عسكرية لحماية الأقليات ليس خياراً واقعياً؛ لأن أدوات التأثير المتاحة لديهم غير مباشرة، وتتركز أساساً في العقوبات الاقتصادية، التي فُرضت على الأسد بشكل مفرط في السابق، ثم رُفعت حالياً بالكامل ودون أي شروط مسبقة.
في هذا السياق، يجب القول إن إعادة فرض العقوبات، كما كان الحال في عهد الأسد، قد تعود لتكون خياراً مطروحاً. كما أنه من الضروري تطوير صيغة مشتركة تجمع بين الدول الفاعلة داخل الاتحاد الأوروبي والقوى الإقليمية الأساسية في الشرق الأوسط من أجل تحقيق نوع من الاستقرار. وهنا، سيكون لكل من تركيا والمملكة العربية السعودية دور محوري في هذا المسار.
-الأحداث الأمنية في الساحل السوري، إلى جانب ما يجري في السويداء، تمثل ملفا ثقيلا أمام أوروبا. ما الآلية التي قد يتبعها البرلمان الأوروبي للتعامل مع هذين الملفين؟
على الاتحاد الأوروبي أن يبدأ أولاً بالاعتراف بأن موقفه السابق كان ساذجاً تماماً ومنحازاً، وقد تأثر إلى حد كبير باعتبارات جيوسياسية مرتبطة بموقفه من روسيا وإيران. بعد ذلك، ينبغي عليه أن يوجّه ضغطاً اقتصادياً مدروساً نحو الحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق بهدف ضمان حماية حقوق الأقليات.
وفي حال تحققت هذه الضمانات، يمكن لاحقاً إعادة تقييم الجرائم التي ارتُكبت في السابق. لكن في الوقت الراهن، الأولوية يجب أن تكون لمنع ارتكاب انتهاكات جديدة. وبالقدر نفسهمن الأهمية، يجب العمل على الحيلولة دون اندلاع موجات هجرة جديدة نتيجة استمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد.
-لقد منح الغرب الحكومة السورية الجديدة فرصاً عديدة.. فهل تعتقدون أن دمشق ستُمنح فرصة أخرى بعد أحداث السويداء؟
مصطلح "الغرب" واسع ويشمل عدة أطراف، على رأسها الولايات المتحدة بوصفها الفاعل الأهم. من جانبي، يمكنني تلخيص ما ينبغي أن يقوم به الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه. وفي هذا السياق، أرى أن على الاتحاد الأوروبي أن يُقرّ بمراجعة موقفه بالتأكيد.
ولا أخفي أن موقف حزبي، على مر السنين، كان ولا يزال يرى أن سوريا والمنطقة عموماً كانتا تشهدان أداءً أفضل في ظل نظام غير إسلامي، كما كان عليه الحال سابقاً.
لكن لا يجب أن نغرق في الأوهام. لطالما تبنّى الاتحاد الأوروبي سياسة تهدف إلى تسريع سقوط الأسد عبر فرض عقوبات صارمة، ثم الانتقال إلى حكومة سورية جديدة.
ورغم الصدمة التي أحدثتها الفظائع الأخيرة، والتي طالت حتى بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فإن من المرجّح أن تستمر هذه السياسة، خاصة في ظل الضغوط المستمرة من جانب الولايات المتحدة.
ومع ذلك، من الصائب أن تُعرض على سوريا رؤية للخروج من أزمتها، لكن من وجهة نظر مجموعتنا في البرلمان الأوروبي، لا ينبغي أن يكون ذلك دون شروط، بل يجب أن يرتبط بضوابط صارمة، وسنواصل الدفاع عن هذا التوجه.