يرى عدد من الخبراء والمحللين الأمنيين أن أمام الحكومة العراقية ثلاثة خيارات للتعامل مع الفصائل المسلحة، وسط تحذيرات من انعكاسات خطيرة لأنشطتها على أمن البلاد.
ومنذ انخراط هذه الفصائل في الصراع والتوترات الإقليمية في المنطقة، تواجه الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، تحديات معقدة لمعالجة هذا الملف الشائك، خاصةً أن تلك المجاميع تعلن معارضتها للقوانين، والموقف الرسمي، وحتى رأي المرجعية الشيعية في النجف.
وعلى الرغم من ذلك، لم تسجل الحكومات العراقية المتعاقبة تحركات أمنية جدية ضد الفصائل المسلحة، إلا في نطاق محدود، مثل ما حدث خلال ولاية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي (2020-2022).
ففي إحدى أبرز الوقائع، اعتقل الكاظمي 13 عنصرًا من ميليشيا حزب الله كان بحوزتهم صواريخ معدة للإطلاق في منطقة البوعيثة؛ إذ كانوا يستهدفون بها قواعد التحالف الدولي.
شكّل ذلك اختراقًا لافتًا في التعامل مع هذه الفصائل. ولكن بعد تسريب خبر الاعتقال، شهدت العاصمة بغداد لحظات عصيبة، حيث انتشر المئات من عناصر الميليشيا بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة في المنطقة الحكومية، مرددين هتافات ضد الكاظمي ومتوعدين بالانتقام؛ ما دفع الحكومة لإطلاق سراح المعتقلين.
وبرغم تسجيل اعتقالات بحق بعض قادة الفصائل، مثل اعتقال علي الياسري وحامد الجزائري من ميليشيا سرايا الخراساني عام 2020، إلا أن هذه الأحداث كانت مرتبطة بخلافات داخلية بين قادة الفصائل.
يُركز هذا السيناريو على فتح حوارات مع قادة الفصائل المسلحة لإقناعهم بإلقاء أسلحتهم والانخراط في العمل السياسي أو الشعبي، لكن مراقبين ومحللين يرون أن هذا الخيار قد لا يُثمر نظرًا لجملة من العوامل.
وفي هذا السياق، يرى الخبير في الشأن العراقي، نزار حيدر، أن "الحكومة قد تفاوض الفصائل المسلحة لإيقاف أنشطتها العسكرية المريبة، لكنها لا يمكنها القيام بأكثر من ذلك. فطالما توظف إيران هذه الفصائل في مشاريعها السياسية بالمنطقة، فإن أصبعها سيبقى على الزناد عند الطلب".
وأوضح حيدر، وهو رئيس مركز الإعلام العراقي في واشنطن، لـ"إرم نيوز"، أن "ضعف الدولة جراء المحاصصة والتنافس الحزبي بين مختلف الأطراف السياسية، جعل البعض يعتاش على سلاح الفصائل ويتاجر به".
وأشار إلى أن "الفصائل بدورها تستغل هذا التنافس لتحمي سلاحها خارج سلطة الدولة؛ ما يعني وجود تخادم بين السياسة والسلاح، تستفيد منه الأطراف السياسية والفصائل معًا".
ويُعد مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، حلقة الوصل بين المؤسسة العسكرية والأمنية وقادة الفصائل المسلحة، كما أن قادة هذه الفصائل هم جزء من الحكومة ويشاركون في تقاسم مناصب الدولة.
شكّلت الحكومة العراقية، مؤخرًا، جهازًا أمنيًا مختصًا بمكافحة الإرهاب، مهمته تعقب مطلقي الصواريخ والطائرات المسيّرة.
كما صرح المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، أن "جهود الحكومة لا تقتصر على التصدي عسكريًا للفصائل المسلحة"؛ ما قد يشير إلى استعداد العراق لاتخاذ خطوات عسكرية ضد هذه المجاميع، رغم التحذيرات من الانزلاق نحو مواجهات مباشرة.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الأمني، كمال الطائي، أن "المواجهات العسكرية يجب أن تكون الخيار الأخير للعراق، بعد اتخاذ ترتيبات كبيرة وتشريعات مهمة لتجريم الأعمال المسلحة، مع منح فرصة لإلقاء السلاح والانخراط في المؤسسة الرسمية".
وأضاف الطائي لـ"إرم نيوز"، أن "إعلان الحكومة وجود خيار عسكري يمثل دفعة قوية نحو إمكانية التخلص من الأنشطة غير الشرعية، التي شكلت تهديدًا دائمًا للأمن القومي والإقليمي".