20 شاحنة مساعدات إماراتية تجتاز البوابة الجانبية لمعبر رفح تمهيدا لإدخالها قطاع غزة

logo
العالم العربي
خاص

"العمق الهجين".. إسرائيل تكسر الخطوط الحمراء وتعيد رسم خرائط الجنوب السوري

"العمق الهجين".. إسرائيل تكسر الخطوط الحمراء وتعيد رسم خرائط الجنوب السوري
قوات إسرائيلية في الجولانالمصدر: رويترز
23 يوليو 2025، 12:03 م

تعيش الجبهة الشمالية لإسرائيل تحوّلًا تدريجيًا في قواعد الاشتباك ومفهوم الحماية، وسط مؤشرات ميدانية متسارعة في الجنوب السوري يبدو أنها قد تدفع تل أبيب إلى مراجعة معادلتها الدفاعية التقليدية. فبدلًا من التوقف عند حدود تحصين خط الحدود، بدأ الجيش الإسرائيلي – وفق ما أفادت به تقارير أمنية – في الانتقال نحو ما يشبه "بناء عمق أمني هجين" داخل الأراضي السورية، يقوم على التوغلات المحدودة، وتعزيز التمركز في محيط الجولان وجبل الشيخ.

أخبار ذات علاقة

السويداء

المساعدات.. سلاح إسرائيل الجديد لفرض أجندتها في الجنوب السوري

هذا التحول لا يأتي من فراغ، إذ تتزايد في الأوساط الأمنية الإسرائيلية المخاوف من تكرار سيناريو السابع من أكتوبر على الجبهة الشمالية، عبر محاولات تسلل من الجانب السوري من الجولان، قد تكون مدفوعة من مجموعات يُعتقد أنها على صلة بمحور طهران.

 ولهذا الغرض، أجرت وحدات القيادة الشمالية، بمشاركة الفرقة 210 ووحدات التدخل السريع، تدريبات تحاكي محاولات للاستيلاء على بلدات حدودية، بالتوازي مع تكثيف نشاط الاستخبارات العسكرية ووحدة تشغيل العملاء.

أخبار ذات علاقة

السويداء

إعدام على الهوية في السويداء يشعل غضباً.. والحكومة تتوعد القتلة (فيديو إرم)

 

لكن الأهم من تلك التدابير ليس في جانبها الدفاعي فقط، وإنما في محاولة إسرائيل استثمار الوضع الميداني الهش في الجنوب السوري، خاصة بعد التصعيد الأخير في السويداء، لفرض تصوراتها الأمنية الخاصة.

إذ تشير الوقائع بحسب مراقبين ومصادر ديبلوماسية إلى أن تل أبيب تُوظّف خطاب "حماية الأقليات"، وتحديدًا الدروز، لتبرير تحركات عسكرية أوسع.

الجنوب السوري تحت المعادلة الإسرائيلية

مصدر دبلوماسي غربي مطّلع على آليات التنسيق الأمني في المنطقة، كشف في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن إسرائيل سارعت إلى استثمار أحداث العنف الدامية الأخيرة في محافظة السويداء، في محاولة مدروسة لتسريع هندسة واقع ميداني يخدم مشروعًا أوسع تسعى إليه منذ أشهر يتمثل بإعادة تنظيم الجغرافيا جنوبًا على أساس وظيفي.

وقال المصدر إن تل أبيب رأت في التصعيد الأخير فرصة استراتيجية لتثبيت نفوذها الأمني والعسكري داخل الجنوب، تحت عنوان "حماية الأقليات" و"منع الفوضى"، مضيفًا أن الجيش الإسرائيلي تحرك ميدانيًا بعد ساعات من انفجار الاشتباكات بين فصائل درزية ومجموعات مسلحة بدوية، ليس فقط عبر ضربات جوية، بل من خلال تحركات تكتيكية على الأرض حملت طابع الاستطلاع والتموضع، بحسب تعبيره.

وتابع أنه "منذ سقوط النظام السوري السابق، بدأت إسرائيل بالانتقال من استراتيجية القصف إلى استراتيجية السيطرة غير المعلنة. هي تبحث عن خلق بيئة جغرافية جنوبية تكون خطوط التماس فيها محمية بتوازنات مفروضة".

وأوضح أن واشنطن، ورغم سعيها العلني لاحتواء التصعيد، لم تُبدِ اعتراضًا جوهريًا على التوسع الإسرائيلي الأخير جنوبًا، بل "وجّهت رسائل سرية لضبط الإيقاع، وليس لوقف التدخل".

وأضاف المصدر "ثمّة قنوات مفتوحة بين واشنطن وتل أبيب لمناقشة حدود الحركة داخل سوريا، لكن الولايات المتحدة لا تمانع مبدئيًا أي تحرك يؤدي إلى تعزيز تماسك الجبهة الشمالية لإسرائيل. التحدي الحقيقي ليس في التدخل الإسرائيلي، بل في طريقة تقديمه دوليًا".

تل أبيب تُراهن على التحرك الخفي في الجنوب

لا تنظر إسرائيل إلى الجنوب السوري بوصفه خط مواجهة مباشر، وإنما كمجال جغرافي قابل لإعادة التوظيف الأمني. ومع انهيار النموذج السوري التقليدي بعد سقوط النظام السابق، وجدت تل أبيب نفسها أمام هامش مناورة استراتيجي نادر، بحسب حديث الباحث في الشؤون الإسرائيلية، زياد خوري لـ "إرم نيوز".

وإذا ما قررت إسرائيل المُضيّ في تكريس وجود ميداني فعّال داخل الجغرافيا السورية، فإنها على الأرجح تسعى إلى تحقيق حزمة من الأهداف الاستراتيجية المرتبطة بطبيعة الفوضى القائمة في الجنوب، وبحدود التهديدات التي ترى أنها تتعاظم من هذا الفراغ، وفق خوري. 

في مقدمة تلك الحسابات المحتملة، يأتي ما تعتبره تل أبيب ضرورة لتدعيم خطوط الجولان من أي اختراق غير نمطي، سواء عبر مسارات تسلل فردية، أو عبر مجموعات لا تنتمي بالضرورة إلى تشكيلات نظامية واضحة، بل تتحرك في الظلال، ضمن ما تصفه إسرائيل بـ"الخلايا النائمة" المرتبطة بإيران.

أخبار ذات علاقة

مقاتلون من العشائر وقوات الأمن السورية في السويداء

المرصد السوري يكشف هوية مرتكبي الإعدام الجماعي في السويداء

 

كما يبدو أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بحسب خوري إذا ما اختارت دفع الأمور بهذا الاتجاه، تُراهن على عنصر الزمن في استباق أي تحول محتمل داخل الجنوب، وخاصة بعد الانكشاف الأمني المتسارع الذي خلفته المواجهات الأخيرة في السويداء.

وفي امتداد هذه الرؤية، قد تسعى تل أبيب إلى تحييد الجبهة الشمالية مرحليًا من دون الدخول في مواجهة شاملة، عبر فرض نوع من "المنطقة الوظيفية" أو "العمق الهجين"، وهي ليست منطقة آمنة بالمعنى الكلاسيكي، بل مجال عسكري مرن يتيح لإسرائيل التحرك بحرية وتوجيه الرسائل الميدانية حين تقتضي الضرورة، دون الدخول في حالة حرب، ودون أن تضطر إلى الاعتراف العلني بوجود ثابت، وفق حديث الباحث في الشؤون الإسرائيلية.

ثلاثة مسارات واحتمال واحد

في ظل الغموض الميداني والارتباك السياسي داخل سوريا، لا تبدو حدود التحرك الإسرائيلي قابلة للتحديد وفق قواعد صلبة، بل مرهونة بمدى استمرار الانكشاف الجنوبي، وبمدى استعداد الأطراف الإقليمية والدولية لتجاهل ما يحدث أو منعه، بحسب تصريح المحلل السياسي، عبد الرزاق خليل لـ"إرم نيوز". غير أن اتجاهات الأمور تتوزع على ثلاثة مسارات رئيسية، على اعتبار أنها قد تكون مآلات منطقية لما يجري.

في المسار الأول، يشير خليل إلى احتمالية أن تستمر إسرائيل في سياساتها الحالية بهدوء محسوب، مع تعزيز انتشارها داخل مناطق محدودة على الطرف السوري من الجولان، من دون الإعلان عن عمليات موسّعة أو إحداث تغييرات ظاهرة في خطوط التماس. هذا "الاستمرار الصامت" لا يُقصد به تثبيت أمر واقع نهائي بقدر ما يهدف إلى إدارة الفراغ جنوبًا، وملئه بأدوات إسرائيلية تكتيكية، تستغلّ هشاشة السلطة الانتقالية السورية وانشغالها بإطفاء حرائقها الداخلية. وعلى المدى القريب، قد تتمكن تل أبيب من ترسيخ هذا التمدد تحت مظلة الردع الوقائي، دون أن تواجه اعتراضًا دوليًا فعليًا.

أخبار ذات علاقة

امرأة من البدو تبكي أثناء خروجها من السويداء

انفجار في الجنوب السوري.. اتفاق السويداء يترنّح تحت نيران المسيّرات وغضب العشائر

في المقابل، فإن استمرار التحركات الإسرائيلية داخل الجغرافيا السورية، من دون أطر ضابطة أو ردع ميداني أو سياسي، قد يؤدي إلى تراكم عناصر التوتّر على الأرض؛ ما يُفضي تلقائيًا إلى اضطراب في المعادلة الأمنية القائمة. فالفراغ السيادي في الجنوب، يفتح المجال لتحوّل غير منظم في تموضع القوى، قد لا يكون ناتجًا عن نية التصعيد بقدر ما يكون نتيجة خلل تراكمي في آليات الضبط. في مثل هذه الحالات، يصبح الميدان مفتوحًا على مفاجآت غير محسوبة، لا تقود بالضرورة إلى حرب شاملة، لكنها تزرع ألغامًا استراتيجية في طريق أي استقرار طويل الأمد، وتُضعف من قدرة السلطة الانتقالية على احتواء الموقف أو تفسيره.

أخبار ذات علاقة

أشخاص خلال إجلائهم من السويداء

الداخلية السورية تعلق على إجلاء المدنيين من السويداء

 

أما السيناريو الثالث، بحسب حديث المحلل السياسي، فيرتبط بإمكانية دخول طرف دولي فاعل على خط التهدئة، ليس بالضرورة عبر مبادرة سياسية شاملة، وإنما من خلال رسائل مباشرة تلجم التوسع البري الإسرائيلي وتعيد التوازن المؤقت إلى الحدود. في هذه الحالة، قد يُجمّد التمدد ميدانيًا، مقابل ترتيبات غير معلنة تضمن لإسرائيل أمنها، وتمنح الجنوب فرصة لالتقاط أنفاسه، ولو بشكل ظرفي.

لكن اللافت أن كل هذه السيناريوهات، على اختلافها، تدور ضمن منطق إدارة الأزمة وليس حلّها، وتبقي الجنوب السوري رهينة المعادلات الخارجية، في غياب كليّ لمعادلة داخلية قادرة على استعادة السيادة، أو حتى بناء جبهة ردع متماسكة.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC