رأى محللون سياسيون أن صرف الحكومة العراقية رواتب الحشد الشعبي دون المرور بالقنوات المعتادة التي تشرف عليها واشنطن، يمثل "مجازفة سياسية وأمنية"، قد تفتح الباب أمام ضغوط جديدة على بغداد.
وكانت هيئة الحشد الشعبي أعلنت أنها تمكنت من تأمين رواتب مقاتليها عبر مصرف بديل، بعد أيام من توقف التحويلات المرتبطة بالمصرف الرئيس المعتمد، إثر قرار أمريكي مفاجئ صدر بإيقاف توزيع رواتب منتسبي الحشد.
ويندرج القرار ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها واشنطن، للضغط على العراق، بهدف إنهاء وجود الميليشيات المرتبطة بالحشد، ودمجه ضمن صفوف الجيش.
عبء ضاغط
وفي هذا السياق، قال الباحث الأمني والسياسي، عبدالغني الغضبان إن "الحكومة أصبحت اليوم بين سندان الضغط الأمريكي والمخاوف من العقوبات، وبين مطرقة رواتب الحشد الشعبي، وهي مسألة لا يمكن تجاوزها بسهولة".
وأضاف الغضبان لـ"إرم نيوز" أن "الحشد الشعبي لديه شرعية قانونية مقرة من البرلمان، والحكومة ترى أنه قدّم إنجازات مهمة، كما أنها تدرك أن هذه القوة قادرة على إحداث تغييرات ميدانية مفاجِئة، لكن مسألة الرواتب أصبحت عبئًا ضاغطًا على الحكومة، وفي الوقت نفسه هي ملف لا يمكن تأجيله أو القفز عليه".
ولفت إلى أن "الخلط بين الحشد كمؤسسة رسمية وبين الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون هو ما يربك المشهد، ويضع واشنطن في موقع الرافض التلقائي للتمويل، لذا ينبغي على المفاوض العراقي توضيح هذه الفروقات الجوهرية، حتى لا يُحاسب الجميع بمعيار واحد".
وتعتمد الحكومة العراقية بشكل شبه كامل على الدولار في تمويل الرواتب والتحويلات الرسمية؛ ما يجعل أي خطوة خارج الرقابة الأمريكية محفوفة بالمخاطر.
وفي حال لجأت بغداد إلى تمويل الرواتب من موارد غير خاضعة للدولار، فإن ذلك قد يُفسَّر – وفق مختصين - كمحاولة التفاف على الضوابط المالية، وقد يعرضها لضغوط اقتصادية أو حتى إجراءات مصرفية مشددة من "الخزانة الأمريكية".
ورغم أن هيئة الحشد (المظلة الجامعة للميليشيات المسلحة) أكدت تأمين الرواتب من مصرف بديل، فإن تفاصيل هذا الإجراء لم تُكشف بالكامل؛ ما يثير تساؤلات بشأن مصدر الأموال، وهل تم استخدام دينار عراقي محلي خارج الدورة المرتبطة بالدولار، أو تمويل مباشر من وزارة المالية عبر أدوات داخلية لا تمر بنظام SWIFT الدولي.
واجهات مالية بديلة
وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أن التحدي لا يقتصر فقط على الرواتب، بل يمتد إلى جوهر العلاقة بين الدولة والحشد الشعبي، الذي يعاني منذ سنوات صراعَ الهوية بين كونه مؤسسة أمنية عراقية رسمية، وبين انخراط بعض تشكيلاته في السياسة والتحالف مع قوى إقليمية.
وبحسب تقارير، فإن بعض فصائل الحشد أنشأت واجهات مالية خاصة بها، من خلال شركات أمنية وتجارية وعقارية، وهو ما يجعل ملف الرواتب جزءًا فقط من شبكة معقدة من التمويل والسيطرة الميدانية والاقتصادية.
ويحذر مختصون من أن استمرار هذه الفوضى القانونية قد يدفع بجهات دولية إلى تشديد القيود على العراق ككل، وليس فقط على الحشد، وهو ما قد يؤثر في التصنيف المالي الدولي للبلد ويُضعف موقفه في المؤسسات النقدية العالمية.
بدوره، حذّر خبير اقتصادي عراقي من أن "بقاء الحشد الشعبي متصلًا بالفصائل المسلحة الخارجة عن القانون، قد يدفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات مشروطة أو جزئية تستهدف النظام المالي العراقي برمّته.
وأوضح الخبير الذي طلب حجب اسمه في حديث لـ"إرم نيوز" أن "ملف الفصائل يجب أن يُدار ضمن مسارين واضحين؛ عسكري وسياسي، أما جرّه إلى المسار المالي أو المصرفي فسيكون له أثر بالغ الخطورة على الاقتصاد العراقي، خصوصًا في ظل اعتماده على الدولار والرقابة الأمريكية على التحويلات".
وأكد أن "الإشارات القادمة من واشنطن لا تبشر بخير، وأي خطوة يُفهم منها تجاوز الخطوط الحمراء قد تعني تجميد قنوات تمويل، أو فرض قيود على مصارف عراقية، وهو ما سينعكس سلبًا على تعاملات العراق حتى مع الشركاء الدوليين المحايدين".