على مدار التاريخ، كانت فلسطين مسرحا لوعود ومقترحات لصالح اليهود والإسرائيليين من قوى غربية، هذه المخططات تركت آثارا عميقة على شعبها، وخلّفت جروحا لم تلتئم، من وعد نابليون، إلى خطة ترامب، مروراً باقتراح بالمرستون، ومؤتمر بازل، ووعد بلفور، وصفقة القرن.. وغيرها.
من أبرز هذه المخططات، يُذكر وعد نابليون بونابرت لليهود، مرورا بوعد بلفور، وصولا إلى خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
في عام 1798، خلال حملة نابليون بونابرت في الشرق الأوسط، يُقال إنه أصدر بيانا يدعو فيه اليهود للانضمام إليه في الاستيلاء على القدس، بهدف إعادة بناء الهيكل وإقامة دولة يهودية في فلسطين.
هذا البيان، المعروف بـ"وعد نابليون"، يُعتبر أول تعهد من زعيم غربي بشأن فلسطين، وكان بمثابة أول تعهد يقطعه زعيم غربي لليهود في أوروبا، لإقامة وطن قومي لهم، وبداية معاناة الفلسطينيين التي لم تنته منذ عقود.
بعد نحو أربعين عاما من هزيمة نابليون، حاول وزير الخارجية البريطاني لورد بالمرستون استغلال يهود أوروبا لتحقيق مصالح بلاده، فاقترح إقامة وطن لهم في فلسطين.
كان بالمرستون يسعى إلى كسب ود اليهود، والتصدي لمحاولات محمد علي لتوحيد مصر وسوريا عام 1840؛ إذ دعا للضغط لفتح فلسطين أمام الهجرة اليهودية.
ولقي المقترح دعما من اليهود وأثريائهم؛ إذ موّله عدة مستوطنات من بينها "ريشون لتسيون" جنوبي تل أبيب.
عُقد مؤتمر بازل عام 1897 في سويسرا، برئاسة تيودور هرتزل، وكان نقطة التحول في الحركة الصهيونية؛ إذ وضع المؤتمر الأسس لإنشاء دولة يهودية في فلسطين، مؤكدا أن الهدف هو إقامة "وطن قومي لليهود" تحت حماية القانون الدولي.
وأدى حاييم وايزمان، الذي يعد أول رئيس لدولة إسرائيل، دورا محوريا في تحقيق هذا الهدف.
يعد وعد بلفور النقطة الرئيسة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو تصريح صدر في 2 نوفمبر/ كانون الأول 1917 من وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، أبدت فيه الحكومة البريطانية دعمها لإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين.
جاء هذا الوعد في رسالة بعثها بلفور إلى اللورد روتشيلد، أحد أبرز القادة اليهود في بريطانيا، وكان له تأثير كبير على السياسة البريطانية تجاه فلسطين في السنوات التي تلت ذلك.
وشجع الوعد اليهود على الهجرة إلى فلسطين وهو ما أدى إلى قيام دولة إسرائيل في عام 1948 بعد صراع دموي كبير مع الفلسطينيين والعرب.
يطلق مصطلح "صفقة القرن" على الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير/ كانون الأول 2020، التي قال إنها تهدف إلى حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ركزت الخطة على الاعتراف بالقدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل، وإبقاء المستوطنات في الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، مقابل وعود بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، دون سيادة فعلية، مع وعود بتمويل اقتصادي كبير لدعم الفلسطينيين.
ورأى كثيرون أن هذه الخطة أعدت بشكل واضح لصالح لإسرائيل، بعد تجاهلها الحقوق الفلسطينية الأساسية، مثل حق العودة للاجئين وحدود 1967.
اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة للولايات المتحدة للسيطرة على قطاع غزة، مع نقل سكانه الفلسطينيين إلى دول مجاورة، بهدف إعادة بناء المنطقة وتحويلها إلى "ريفييرا" جديدة.
وطرح ترامب احتمال سيطرة واشنطن على قطاع غزة في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقال إنه يتصور بناء منتجع تعيش فيه مختلف الجنسيات في وئام.
وتسبب الاقتراح الذي طرحه ترامب بكل بساطة في موجات صدمة دبلوماسية في أنحاء الشرق الأوسط والعالم، لكنه من سمات نهج ولايته الرئاسية الثانية، وهو التعامل مع علاقات بلاده بدول حليفة مثل كندا والمكسيك على أساس المصالح التجارية واعتبار العالم مجرد فرصة استثمارية كبرى.
ويقول المحلل السياسي عامر ملحم، إن "الإدارة الأمريكية استخدمت هذا القرار كوسيلة لتأكيد علاقتها الوثيقة مع إسرائيل، مع إعلاء الطابع الاستراتيجي والسياسي للعلاقة الأمريكية–الإسرائيلية".
وأوضح في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "هذا التوجه جزء من سلسلة طويلة من السياسات الغربية التي استُخدمت لإعادة تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية، سواء كانت من منظور السيطرة على الموارد أو حماية مصالحها الاقتصادية والعسكرية".
ويرى ملحم من جهة أخرى، أن تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة تشكل "وعدَ بلفورٍ جديدًا"، حيث يُنظر إليها كخطوة نحو تنفيذ مشاريع قديمة تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية في المنطقة لصالح إسرائيل.
ويرى أن "الوعود الغربية لفلسطين على أنها سلسلة مترابطة من المبادرات والسياسات التي تجسّد رغبة القوى الغربية في السيطرة على المنطقة".
ففي البداية، بحسب ملحم، "كان نابليون يرى في دعم اليهود وإنشاء وطن لهم أداة لتعزيز نفوذه السياسي والعسكري، ثم جاء وعد بلفور ليكون الوثيقة الرسمية التي أسست لمشروع الدولة الصهيونية، مستغلةً بذلك التراجع السياسي للدولة العثمانية والتحولات التي أحدثتها الحرب العالمية الأولى".
وتابع:"بعد ذلك، استمر المشروع الغربي في التطور والتجديد، حتى وصل بنا إلى عهد ترامب الأول الذي أعلن عن تغيير جذري في العلاقات الدولية من خلال الاعتراف الرسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم خطة تهجير الفلسطينيين في الولاية الثانية".