تشير التطورات الأخيرة إلى توتر محتمل بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين والغربيين، وذلك بعد قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض منح رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والوفد المرافق له، تأشيرة دخول لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويُعتبر هذا القرار خروجًا جديدًا عن الأعراف الدبلوماسية والاتفاقيات الدولية، خاصة "اتفاقية المقر" للأمم المتحدة التي تلزم الولايات المتحدة بتسهيل دخول ممثلي الدول الأعضاء إلى أراضيها لحضور الاجتماعات الرسمية.
وبناء على تحليل خبراء القانون الدولي لـ"إرم نيوز"، فإن "الانقلاب" الذي قد تنفذه دول كبرى ردًّا على القرار الأمريكي برفض تأشيرة محمود عباس، قد يتمثل في نقل مؤتمر "حل الدولتين" المنتظر إقامته على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى مقار أخرى لهذه المنظمة الدولية، سواء في فيينا أو جنيف.
وتقول الخبيرة في القانون الدولي، الدكتورة جيهان جادو، ليس هناك سياق شرعي بحسب الأعراف والقوانين، على ما تنوي عليه إدارة ترامب بعدم منح الرئيس الفلسطيني والوفد المرافق تأشيرة الدخول لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك شهر سبتمبر/ أيلول 2025، وهناك فرصة تاريخية لدول عدة تعاني من "التعالي" الأمريكي، بأن تطلب من الأمم المتحدة عقد اجتماعها هذه المرة في مقر آخر، بمكاتب رئيسية لها منها جنيف أو فيينا.
وتؤكد جادو في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذا الاتجاه لا يخالف المواثيق الدولية فقط بل اتفاقيات متعلقة بأن تكون نيويورك مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي صدارتها "اتفاقية المقر" في عام 1949، التي تتلخص مع هذه الوضعية في أن يكون للأمم المتحدة مقر رئيسي في نيويورك، وأن تلتزم السلطات الأمريكية بمجموعة من الاعتبارات فيما يخص الوفود القادمة والمشاركة، وهي منح تأشيرات دخول لوفد دولة عضو كامل أو عضو مراقب، أو الوفد الذي يتم دعوته من جانب الأمم المتحدة.
وأوضحت الدكتورة جيهان جادو، أن الولايات المتحدة تمتلك حق منح تأشيرة محدودة لبعض الوفود، تسمح لحاملها بالدخول من المطار والتوجه مباشرة إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، دون السماح له بالتحرك إلى ولايات أمريكية أخرى.
وأشارت إلى أن هذا الإجراء لم يكن جديدًا، بل كان يُطبق في عقود سابقة، خاصة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، على وفود الدول التي كانت في حالة عداء مع الولايات المتحدة، مثل: الاتحاد السوفيتي.
وبخصوص الدول التي تعاني من خلافات مع الولايات المتحدة، أوضحت جادو أن واشنطن لديها الحق في إصدار تأشيرة وصول خاصة تعرف بـ"G-4" أو "G-5"، هذه التأشيرات تُمنح عادةً للموظفين الدبلوماسيين الذين يحضرون لمهام محددة ولفترة زمنية قصيرة.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم رشدي، أن هذا التصرف الأمريكي تكرار لما قام به الرئيس الأسبق رونالد ريغان عام 1988 بمنع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من حضور اجتماعات الأمم المتحدة وإلقاء خطاب من منبرها بعد إعلان الدولة الفلسطينية، وقامت وقتئذ الأمم المتحدة بنقل جلساتها إلى جنيف، ولكن أمريكا هذه المرة منعت وفدًا بالكامل للمرة الأولى، رغم أحقية حضورهم اجتماعات الأمم المتحدة.
واعتبر رشدي، في تصريح لموقع "إرم نيوز"، أن خطوة نقل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ستكون لها آثار كبيرة على الولايات المتحدة، ويرى أن هذا الإجراء من شأنه أن يبعث برسالة قوية بأن واشنطن لا تُظهر أي اهتمام بالقانون الدولي أو الإنساني.
وأشار إلى أن هذا السيناريو قد يتخذ أحد شكلين: إما أن تُعقد اجتماعات الجمعية العامة في مقر آخر، كما حدث في الثمانينيات، أو أن تُعقد الجلسة الخاصة بالقضية الفلسطينية عن بُعد بتقنية الفيديو، وهو ما أصبح شائعًا في العديد من المؤتمرات الدولية.
ويرى رشدي أن هذا المنحى الأمريكي ناتج عن تعامل بالدرجة الأولى مع السابقة الدولية التي تتبعها بلدان كبرى منها فرنسا، التي لديها حق الفيتو بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو مكسب كبير لحل الدولتين بالإضافة إلى الدول الأوروبية والغربية التي أعلنت مؤخرًا نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ ما يعتبر مضرًّا بإسرائيل حليفة ترامب.
وتابع: "ترامب لا يريد أن يكون هناك اعتراف بفلسطين في ظل موجة وزخم منتظر، ولا سيما أن هناك نحو 17 دولة أوروبية وكندا وأستراليا يتوجهون للاعتراف بالدولة الفلسطينية في وقت يعترف فيه بالأساس 149 بلدًا بفلسطين من 193 دولة في العالم.
وبدوره، يشير الباحث في العلاقات الدولية، هاني أمين، إلى أن قرار واشنطن الأخير يتناسب مع نهجها الحالي، الذي يظهر بوضوح في تصريحاتها بأنه "لا وجود لمجاعة في غزة".
ويرى أمين أن هذا الموقف الأمريكي يسقط دورها الأخلاقي المزعوم، إذ إنها تتهم من يصفون الجوع في غزة بأنه "ملفق" و"ضد السامية"، في محاولة لإرهاب المعارضين لسياستها.
وأضاف أمين في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه ليس غريبًا على إدارة ترامب عدم الوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية، وهو ما وضح من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بإشهار الابتعاد عن أيِّ التزامات دولية قانونية والتأكيد من جانبه على إعلاء المصالح القومية ذاهبًا للقول إن السلطة الفلسطينية لم تفِ بالتزاماتها وإنها تقوّض آفاق السلام، في حين أن الولايات المتحدة مع هذه الإدارة فقدت أي شرعية للتعامل مع "حل الدولتين".
وأردف أمين قائلًا، إن الهدف من قرار منع منح التأشيرات للمسؤولين الفلسطينيين لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، له دلالة رمزية تريد أن تضعها إدارة ترامب في إطار أنه لا يوجد دولة فلسطينية يعترف بها الراغبون في ذلك وهم كثر في الاجتماعات المقبلة، لأنه لا يوجد في الاجتماعات رئيس حاضر لهذه الدولة أو مسؤولون معتمدون عنها.