تحاول إسرائيل فرض "الخط الأصفر" ليكون الحدود الجديدة الدائمة بين قطاع غزة والمناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، شرق وشمال السياج الحدودي للقطاع، مع استمرار عمليات توسيع وإزاحة الخط.
وتسيطر إسرائيل بموجب "الخط الأصفر" الذي كان من المفترض أن يكون خط انتشار مؤقت للقوات الإسرائيلية بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار، على أكثر من 53% من مساحة قطاع غزة.
ويرى مراقبون أن "الخط الأصفر" لم يعد مجرد خط انسحاب مؤقت، بل خطوة استراتيجية نحو إعادة ترسيم حدود غزة، وتغيير الواقع الديمغرافي في قطاع غزة، عبر تجميع الفلسطينيين في مناطق يسهل السيطرة عليها لاحقًا.
وقال المحلل السياسي جهاد حرب، إن "إسرائيل تسعى إلى تحويل الخط الأصفر من مجرد خط انسحاب إلى خط حدودي دائم، يعاد من خلاله ترتيب الجغرافيا السياسية داخل قطاع غزة".
وأضاف لـ"إرم نيوز": "الجيش الإسرائيلي يعمل على توسيع نطاق سيطرته شرق الخط الأصفر، مع تصعيد عمليات هدم وتدمير المناطق السكنية القريبة منه، ما يكشف عن نية مبيتة لترسيخ واقع ميداني يصعب تغييره لاحقاً".
وأشار إلى أن "هذه التحركات تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الدولية دعوات متزايدة لتنظيم عملية انسحاب إسرائيلي تدريجي، بمجرد نشر قوة الاستقرار الدولية كما نصّت على ذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وتابع: "التصريحات المتكررة من مسؤولين إسرائيليين، كوزير الجيش ورئيس الأركان، تؤكد أن إسرائيل تنظر إلى الخط الأصفر كخط هدنة أو حدود مستقبلية". وبيّن أن "أي انسحاب إسرائيلي محتمل من قطاع غزة، وفق الرؤية المطروحة، قد يكون مشروطًا بفرض منطقة عازلة واسعة داخل حدود القطاع."
ولفت حرب إلى أن "هذا المفهوم يتوافق مع ما ورد في خطة ترامب للسلام، والتي ألمحت إلى أن عمق المنطقة العازلة قد يتراوح بين كيلومتر إلى كيلومتر ونصف داخل غزة."
وقال حرب: "إسرائيل تحاول توظيف سيطرتها على أجزاء من القطاع كأداة ضغط في المفاوضات، سواء على الأطراف الدولية أو على حركة حماس، بهدف إبقاء وجودها العسكري ضمن مفهومها للتوسع الجغرافي".
وأضاف: "هذا التوجه يتماشى مع رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي صرّح سابقاً بأنه يعيش لحظة تاريخية لتحقيق إسرائيل الكبرى، وهو ما ينعكس في ضغوط إسرائيل على الفلسطينيين، وفي مناطق أخرى مثل سوريا ولبنان، سعيًا لتوسّع استعماري يستهدف السيطرة على الأرض دون السكان".
وأشار إلى أن "ما يجري في المنطقة الشرقية من قطاع غزة، التي تم إخلاؤها تقريبًا من سكانها، هو تطبيق عملي لهذه الرؤية، حيث تفرض إسرائيل سيطرتها الكاملة على الأرض وتمنع عودة الأهالي إليها".
وأوضح حرب أن "مدى السيطرة الإسرائيلية على الخط الأصفر يدخل ضمن مسار المفاوضات والضغوط المتبادلة، سواء مع المجتمع الدولي أو مع الفلسطينيين، في إطار تعزيز الاحتلال العسكري". ورأى أن "هذه السيطرة قد لا تعرقل المفاوضات حول المرحلة الثانية، لكنها قد تؤدي إلى إبطاء التقدم، ضمن لعبة الأخذ والرد السياسي".
من جهته قال استاذ العلاقات الدولية والخبير بالشأن الإسرائيلي حسين الديك، إن "إسرائيل تسعى للسيطرة على ما يقارب 58% إلى 60% من مساحة القطاع، وتحديدًا المناطق الواقعة خلف الخط الأصفر".
وأضاف لـ"إرم نيوز": "الملف الأساسي في لقاء نتنياهو وترامب يتمثل في تثبيت الموقف الأمريكي تجاه هذا الواقع، بما يعني بقاء الجيش الإسرائيلي في تلك المناطق، مقابل بقاء حركة حماس في مناطق أخرى".
وتابع: "هذا السيناريو لا يتعارض مع خطة ترامب، حيث ينص البند السابع عشر منها على أنه في حال تعذر الانتقال إلى المرحلة الثانية، تبدأ عملية الإعمار".
وبحسب الديك، فإن "إسرائيل تخطط لتحويل هذه المناطق إلى نموذج إداري جديد في غزة، قد ينتقل إليه مئات الآلاف من الفلسطينيين من مناطق تسيطر عليها حماس".
وأضاف الديك، أن "إسرائيل لا تخوض الحروب لتنسحب لاحقاً، مستشهداً بتجاربها في الجولان والضفة وقطاع غزة، وحتى لبنان الذي انسحبت منه بعد 20 عامًا من الاحتلال".
وأكد أن "إسرائيل ذاهبة باتجاه تكريس واقع جيوسياسي جديد في القطاع، يجعل من الخط الأصفر حدودًا دولية بحكم الأمر الواقع، بغض النظر عن تفاصيل أي قوات دولية أو إدارة تكنوقراط قد تُطرح لاحقاً".
وبيّن الديك أن "أحد أبرز الملفات المطروحة على طاولة لقاء نتنياهو وترامب هو مسألة تثبيت الخط الأصفر كحدود دولية فاصلة بين إسرائيل وقطاع غزة"، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى للحصول على ضوء أخضر أمريكي لترسيخ هذا الخط كفاصل ميداني دائم، وفرض واقع سياسي جديد في القطاع يخدم أهدافها الأمنية.