تتصاعد أشكال صراع النفوذ بين أنقرة وتل أبيب في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث أصبح البلد الواقع جغرافيًا بين تركيا وإسرائيل ساحة للصراع على المصالح الاقتصادية والمنافع الإستراتيجية والتوسع الإقليمي.
ويرى خبراء إستراتيجيون ومختصون في العلاقات الدولية أن هناك مخاوف إسرائيلية تجاه تصاعد النفوذ التركي في سوريا، خاصة في ظل العلاقة بين أنقرة و"هيئة تحرير الشام" وقائدها أحمد الشرع، بالإضافة إلى دعم تركيا للفصائل المسلحة في عملية إسقاط نظام الأسد.
وأشاروا في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن المخاوف الإسرائيلية تتمثل في احتمال قيادة تركيا، انطلاقًا من سوريا، محورًا إقليميًا بديلًا عن المحور الإيراني الذي سعت تل أبيب لمواجهته؛ ما يهدد نفوذها في المنطقة، كما يبرز قلق آخر يتعلق بمساعي أنقرة لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال النفط والغاز عبر تقسيم الحدود البحرية مع سوريا، بالإضافة إلى استهداف تركيا لموانئ سوريا وتطويرها؛ ما يشكل منافسة مباشرة لموانئ إسرائيل في البحر المتوسط.
وفي وقت سابق، أوصت لجنة حكومية إسرائيلية مكلفة بـ"فحص ميزانية الأمن وبناء القوة" بضرورة الاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ظل تزايد المخاوف في تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفقًا لما أفادت به وسائل الإعلام العبرية.
ويقول الخبير الإستراتيجي والعسكري الدكتور محمد كمال الجفا إن "المخاوف الإسرائيلية من توسع النفوذ التركي في سوريا تتزايد، خاصة مع اعتبار أنقرة الداعم الرئيسي للقيادات الجديدة التي أسقطت النظام السوري".
وأوضح الجفا في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن التصريحات التركية الجريئة التي تعكس نشوة الانتصار، تقابلها تخوفات إسرائيلية من إمكانية تشكيل تركيا لمحور إقليمي جديد في المنطقة عبر تقوية نفوذها في سوريا، ليكون بديلًا للمحور الإيراني، في الوقت الذي ترى فيه تل أبيب أنها أدت دورًا كبيرًا في إضعاف النفوذ الإيراني أخيرًا.
وأكد الجفا أن "القلق الإسرائيلي يتمحور حول احتمال توسع الوجود التركي في سوريا من خلال دعم حلفائها في دمشق؛ ما يضع تركيا في موقع يتيح لها الهيمنة على سوريا، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على نفوذ إسرائيل في المنطقة".
وتابع أن "إسرائيل تتمسك بالحفاظ على أمنها الإقليمي والجيوسياسي، دون أي مزاحمة من تركيا، خاصة في ظل ما تعتبره تل أبيب من إنجازات عسكرية وأمنية لها بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث ترى أن إسرائيل كانت المسؤولة عن تقويض الأذرع الإيرانية التي شنت حربًا ضدها في العامين الماضيين، وصولًا إلى إسقاط النظام السوري وتدمير البنية العسكرية السورية.
وأشار الجفا إلى أن "إسرائيل تعتبر أن استمرار تركيا في هذا المسار سيؤدي إلى تشكيل تحالف إقليمي جديد، ليس فقط على المستوى العسكري والأمني، بل سيخلق أيضًا تنافسًا جيوسياسيًا على الثروات والمقدرات في المنطقة".
ويتفق مع ذلك الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد يوسف النور، حيث يرى أن "إسرائيل تعتبر تركيا دولة محورية في المنطقة، تتمتع بالقدرة على التأثير في الجماعات الراديكالية الدينية، وبالتالي تمتلك أوراق قوة يمكن أن تدعم مساعيها في تشكيل تحالف إقليمي قد ينافس التمدد الإسرائيلي في المنطقة".
وأوضح النور في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن "تل أبيب ترى أن الوُجود التركي في سوريا قد يزيد مشاعر العداء تجاه مشاريعها التوسعية من بعض البيئات في المنطقة؛ ما يهدد دورها الإقليمي وأهدافها الإستراتيجية".
وأضاف النور أن "المخاوف الإسرائيلية من الدور التركي في سوريا دفعت تل أبيب إلى التوسع نحو الأراضي السورية واحتلال مناطق ومواقع إستراتيجية كان يشغلها الجيش السوري سابقًا، التي كانت خاضعة لاتفاقيات هدنة العام 1974، واعتبرت إسرائيل أن هذه الخطوة تمثل تجاوزًا للقوانين الدولية والمواثيق وقرارات الأمم المتحدة، بهدف تقويض أي دور تركي في سوريا، بالإضافة إلى تنفيذ مخططاتها التوسعية في المنطقة، والتي تعتبر جزءًا منها على حساب سوريا".
واستكمل أن "الحذر الإسرائيلي من تعزيز الوُجود التركي في سوريا يعود أيضًا إلى مساعي أنقرة للترسيم البحري مع سوريا والبحث عن مصادر للطاقة في البحر المتوسط، إلى جانب خطط تركيا لتطوير الموانئ السورية والسيطرة عليها، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا مباشرًا لموانئها في البحر المتوسط".
وأشار إلى أن "إسرائيل ترى خطورة في تحول الوجود التركي في سوريا إلى تحالف تقوده أنقرة يضم دولًا إقليمية؛ ما قد يؤدي إلى تغيير التوازنات في شرق المتوسط، وهو ما يساعد تركيا على اكتساب مزايا إستراتيجية، ويحقق حلمها بأن تصبح مركزًا رئيسيًا لتسويق الغاز؛ ما يضر بأهداف إسرائيل في هذا المجال".