لا تزال العقوبات الأوروبية المفروضة على دمشق ثابتة، وسط اشتراطات سياسية وحقوقية لم تُلبَّ بعد، رغم الترحيب الدولي الحذر بالحكومة الانتقالية في سوريا عقب سقوط النظام السابق.
ورأى خبراء تحدثوا لـ"إرم نيوز"، أن الترحيب لم يتحول إلى دعم فعلي نتيجة غياب التقدم الملموس في ملفات أساسية، على رأسها إعادة صياغة الإعلان الدستوري وفق معايير مدنية، وإنهاء هيمنة المرجعية الدينية على التشريعات، وتشكيل حكومة جامعة تُمثل كافة المكونات السورية.
وأشاروا إلى أن أحد أبرز العوائق يتمثل في استمرار وجود عناصر أجنبية داخل المؤسسة العسكرية السورية، إلى جانب تجاهل مطالب أساسية تتعلق بحماية الأقليات وضمان حقوقهم، وهو ما تعتبره بروكسل أحد الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية مقبولة دوليًا.
قال الكاتب والمحلل السياسي عماد يوسف إن تصريحات مسؤولة الشؤون السياسية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس تندرج في سياق وحيثيات التعاطي الدولي، أوروبياً وأمريكياً، مع السلطة الانتقالية السورية الجديدة.
وأضاف لـ "إرم نيوز" أنه سبق أن رحّبت دول كثيرة بسقوط النظام السابق في سوريا واستلام السلطة الحالية، لكن ذلك الترحيب بقي منقوصاً ومشروطاً بخطوات يجب على السلطة الحالية أن تقوم بها.
وبيّن المحلل يوسف، أن "سوريا بلد شبه منهار على كل الأصعدة، وترى جميع دول العالم المؤثرة مصلحة إستراتيجية لها في استقرار الوضع في سوريا وإعادة بناء دولة مدنية جديدة تتبنى الديمقراطية وقيم الحريّات، والحقوق، والمساواة، والتبادل السلمي والديمقراطي للسلطة".
وأشار إلى أنه لم تتم مراعاة هذه المطالب، خاصة أن القرار الأممي 2254 الصادر عن الأمم المتحدة العام 2012 لم يسقط، وهو لا يزال يرسم خريطة الطريق للحل السياسي في سوريا، ويحدد شروطه، واليوم، وبعد مرور أكثر من 4 أشهر على استلام السلطات الحالية، هناك شروط كثيرة لم تتمكن هذه السلطة من تنفيذها أو تحقيقها.
ولفت المحلل يوسف إلى أن الإجراءات التي قامت بها السلطة جاءت من خلال مؤتمر حوار وطني، وإعلان دستوري، وتشكيل الحكومة، لكنها بقيت دون السقف المطلوب لعملية انتقال سياسي تلبّي تطلعات الشعب السوري، وكذلك تطلعات دول العالم التي تولي الملف السوري اهتماماً كبيراً، من منطلق أن استقرار سوريا وخروجها من أزماتها هو مفتاح أساس لاستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وأوضح أن هناك شروطاً عديدة مازالت لم تُطبَّق من أجل رفع العقوبات، وأهمها استمرار وجود العناصر الأجنبية في كوادر الجيش وقياداته، إلى جانب ملف حماية الأقليات، وإعادة صياغة إعلان دستوري مدني يقطع مع البنود الفضفاضة التي أتى بها الإعلان الحالي، ويلغي مرجعية التشريع الديني في القانون السوري، بالإضافة إلى تشكيل حكومة مدنية وطنية تضم جميع المكوّنات السورية.
من جانبه، قال الناشط الحقوقي نضال هوري إن الاتحاد الأوروبي يربط تخفيف أو رفع العقوبات المفروضة على سوريا بجملة من الشروط التي يعتبرها ضرورية لضمان تحول حقيقي نحو دولة مدنية عادلة وشاملة.
وأوضخ في حديثه لـ "إرم نيوز" أنه على بالرغم من الترحيب الحذر ببعض الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة الانتقالية، إلا أن الاتحاد الأوروبي يشدد على أن هذه الخطوات ما زالت غير كافية، لا سيما في ظل استمرار وجود عناصر أجنبية داخل التشكيلات العسكرية والقيادية للجيش السوري.
وأضاف الناشط هوري، أن بروكسل تضع حماية الأقليات في سوريا ضمن أولوياتها كأحد الخطوط الحمراء، التي لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية مستقبلية، إلى جانب صياغة دستور مدني جاد.
وأشار إلى أنه من خلال هذه الشروط والمعايير، يتضح أن الاتحاد الأوروبي لا ينظر إلى العقوبات كأداة عقابية فقط، بل كوسيلة ضغط سياسي تهدف إلى دفع العملية الانتقالية في سوريا نحو مسار أكثر شمولاً وعدالة.
وأكد الناشط هوري أن رفع العقوبات بات مرهوناً بمدى التزام الحكومة السورية بخطوات إصلاحية واضحة تبدأ بإعادة تشكيل بنية الدولة على أسس مدنية وتشاركية، وتنتهي بإرساء منظومة قانونية تحترم التعددية وتحمي حقوق جميع المكوّنات دون تمييز.
ونوه إلى أنّه دون تحقيق هذه المتطلبات الجوهرية، فإن أي تخفيف في العقوبات سيبقى مجرد احتمال نظري لا يجد طريقه إلى التنفيذ الفعلي.