logo
العالم العربي

واشنطن ترفع سقف الضغوط.. إلى أين يتجه النظام السياسي العراقي؟‎

البيت الأبيضالمصدر: رويترز

عادت رسائل البيت الأبيض الخشنة لتضع مستقبل النظام السياسي العراقي تحت ضغوط متصاعدة، في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، وملفات داخلية لم تحسم بعد، تتصدرها العلاقة مع الميليشيات المسلحة، وإدارة القرار، وشكل الحكومة المقبلة.

وهذه الرسائل، التي صدرت خلال الأسابيع الماضية عن أكثر من مسؤول أمريكي، لم تعد محصورة بالإشارات الدبلوماسية التقليدية، بل اتخذت طابعاً مباشراً يربط المواقف السياسية والأمنية والاقتصادية الأمريكية بجملة شروط واضحة؛ ما أعاد فتح نقاش واسع داخل الأوساط السياسية العراقية حول طبيعة هذا الضغط وحدوده ومآلاته.

ويرى مستشار رئيس الوزراء العراقي عائد الهلالي، أن المقاربة الأمريكية الحالية لا تنطلق من رغبة مباشرة في تغيير النظام السياسي العراقي بصيغته الدستورية، بقدر ما تستهدف إعادة ضبط توازناته الداخلية بما ينسجم مع أولويات واشنطن الإقليمية والدولية.

وقال الهلالي في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن "رسائل البيت الأبيض الحازمة في هذه المرحلة الحساسة تعيد طرح سؤال جوهري حول مستقبل النظام السياسي العراقي وحدود قدرته على الصمود أو التكيف مع تصاعد الضغوط الأمريكية المترافقة مع تحولات إقليمية ودولية متسارعة".

وأوضح أن "الولايات المتحدة لم تعد تكتفي بإشارات دبلوماسية ناعمة، بل باتت تربط مواقفها السياسية والاقتصادية والأمنية بجملة شروط واضحة تتعلق بطبيعة القرار السيادي وضبط السلاح خارج إطار الدولة وإدارة العلاقة مع الفصائل المسلحة، إضافة إلى ملفات الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد".

وأضاف الهلالي أن "الضغط الأمريكي الحالي أقرب إلى محاولة تعديل السلوك السياسي للنظام العراقي أكثر من كونه مشروع إسقاط أو استبدال".

أخبار ذات علاقة

المبعوث الأمريكي مارك سافايا

عشية وصوله لبغداد.. ميليشيا حزب الله تدعو إلى مقاطعة مبعوث واشنطن للعراق

ضغط متصاعد

وخلال الأيام الماضية تصاعدت أدوات الضغط الأمريكية، على بغداد أبرزها ما ورد في مسودة قانون الدفاع الأمريكي لعام 2026، التي ربطت استمرار تقديم الدعم العسكري للعراق باتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة ملف الميليشيات المسلحة، مع التلويح بتجميد ما يقارب 75% من التمويل في حال عدم تقديم تقارير تؤكد تقليص القدرات العملياتية للفصائل المرتبطة بإيران ودمجها أو إعادة تنظيمها ضمن مؤسسات الدولة ونزع سلاحها.

وفي موازاة ذلك، شدد القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد جوشوا هاريس على أن مشاركة الجماعات المسلحة الموالية لإيران في الحكومة العراقية الجديدة لا تنسجم مع إطار التعاون بين بغداد وواشنطن، مؤكداً أن بلاده قلقة من المعاملات المالية غير القانونية.

وتأتي هذه المواقف في وقت تشير فيه معطيات سياسية إلى تفاهمات داخلية عراقية غير معلنة تقضي باستبعاد ممثلي الجماعات المسلحة من المناصب السيادية والوزارات المرتبطة بالاقتصاد والثروة، استجابة لمخاوف وضغوط دولية متزايدة.

أخبار ذات علاقة

المبعوث الأمريكي توماس باراك ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين

بغداد تستغرب تصريحات المبعوث الأمريكي عن الشأن الداخلي العراقي

معادلة الرضوخ والمقاومة

في المقابل، يواجه العراق معادلة معقدة؛ إذ إن الاستجابة الكاملة لهذه الضغوط قد تفتح الباب أمام توترات داخلية ورفض سياسي وشعبي من أنصار الميليشيات المسلحة، في حين أن تجاهلها بالكامل قد يعرض البلاد لمخاطر اقتصادية وعزلة دولية، لا سيما في ظل هشاشة الوضع الإقليمي.

وبحسب مراقبين، فإن الطبقة السياسية تميل في هذه المرحلة إلى سياسة امتصاص الضغط، عبر إجراءات محسوبة وشبه إصلاحية، من دون الذهاب إلى تغييرات جذرية تمس جوهر النظام القائم.

وفي السياق ذاته، يلفت الباحث والأكاديمي حسام ممدوح إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية، تمتلك من الناحية الواقعية، أوراق ضغط سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية، وتحاول إيصال رسائلها عبر تصريحات مباشرة وغير مباشرة صدرت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثيه إلى المنطقة، إلا أن هذه الضغوط تصطدم بطبيعة النظام السياسي العراقي القائم على توازنات معقدة بين قوى شيعية وسنية وكردية وأطراف أخرى تمتلك امتدادات حقيقية على مستوى الاقتصاد والسياسة والأمن".

أخبار ذات علاقة

ميليشيات عراقية

واشنطن "تضيق الخناق".. هل "تنجو" الحكومة العراقية الجديدة من نفوذ الميليشيات؟

مكاسب وظيفية 

وأوضح خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "ما يمكن أن تحققه واشنطن هو مكاسب وظيفية تكتيكية، عبر دفع النظام السياسي إلى تعديل سلوكه، مثل انتهاج سياسة أكثر توازناً في العلاقة مع إيران، أو عدم الانخراط في محاور معادية للولايات المتحدة، أو التقدم في ملف حصر السلاح بيد الدولة"، مؤكداً أن الضغوط الحالية تستهدف النهج الوظيفي للنظام أكثر من استهداف بنيته وشكله".

ويصف مختصون هذه الصيغة بأنها انتقال واضح من سياسة التقييم العام إلى استخدام التمويل كأداة ضغط لإعادة ترتيب معادلة السلاح داخل العراق، بما يضع الحكومة أمام استحقاقات أمنية وسياسية واقتصادية معقدة.

وتتجه الأنظار إلى كيفية إدارة بغداد لهذه المرحلة الدقيقة، خاصة وأنها تأتي متزامنة مع مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، وسط تساؤلات عما إذا كانت بغداد ستحقق التوازن بين متطلبات الشراكة الدولية والحفاظ على الاستقرار الداخلي، في مشهد مفتوح على احتمالات متعددة. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC