اعتبر المستشار السياسي لوزارة الخارجية الفلسطينية السفير أحمد الديك أن الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية بداية تصحيح "الظلم التاريخي" وخطوة في الاتجاه الصحيح، مشيرًا إلى أن الاعترافات المتتالية رسالة للولايات المتحدة وللحكومة الإسرائيلية المتطرفة بأن "السلام يُصنع بالقانون الدولي لا بالدبابات أو الطائرات والعدوان وقصف العواصم العربية، واستمرار جرائم الإبادة والتهجير والضم".
ورحب السفير الديك في حوار خاص مع "إرم نيوز" بـ"قطار الاعترافات المتسارع"، مبينًا أن وزارة الخارجية تنظر بأهمية كبيرة لاعتراف المملكة المتحدة بدولة فلسطين، وعدّه انتصارًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا وقانونيًّا للشعب الفلسطيني.
وتالياً نص الحوار:
الاعتراف البريطاني هو نتيجة ثمار صمود الشعب الفلسطيني وآلامه وجراحاته التي لا زالت مستمرة وتمسكه بحقوقه وبالبقاء في أرض وطنه، كما أنه بالنسبة لنا بمثابة انتصار لبريطانيا نفسها، مَلكًا وحكومةً وشعبًا، إذ إن الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية بداية لتصحيح الظلم التاريخي الذي حل بالشعب الفلسطيني وخطوة في الاتجاه الصحيح، نأمل أن تُستكمل وأن تبذل الجهود الدولية لنيل دولة فلسطين العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، وثانيًا لتطبيق إعلان نيويورك والرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية، ومرورًا بمطالبتنا المستمرة للإدارة الأمريكية بأن تقف إلى الجانب الصحيح من التاريخ وتبادر لهذا الاعتراف وفقًا للقرارات الشرعية وللقانون الدولي.
نحن نعتبر هذه الاعترافات امتدادًا لاعترافات الغالبية العظمى بدولة فلسطين، وذلك جراء صمود شعبنا وتمسكه بأرضه وتضحياته الحالية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، كما أنها ثمرة من ثمار الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي المتصالح مع الشرعية الدولية، والذي يؤكد التزامنا بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، وأيضًا ثمرة لجهد عربي إسلامي واسع.
نتذكر الموقف الأخوي الإماراتي الشجاع الذي أطلقته الدولة في وجه الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية لضم الضفة الغربية والتمسك بالحقوق الوطنية العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني، ونتذكر أيضًا الموقف السعودي المشترك مع دولة فرنسا في قيادة الجهد الدولي، ليس فقط منذ البدء بعقد المؤتمر الدولي في نيويورك بشأن حل الدولتين، بل منذ أن ترأست السعودية اللجنة العربية الإسلامية التي زارت بضع دول لتطالبها بضرورة الاعتراف بدولة فلسطين.
وبالنسبة لنا، تلك الاعترافات المتتالية هي اعتراف بالحق الفلسطيني، ورسالة للولايات المتحدة وللحكومة الإسرائيلية المتطرفة بأن السلام يُصنع بالقانون الدولي ولا يمكن أن يُصنع بالدبابات والطائرات والعدوان وقصف العواصم العربية، واستمرار جرائم الإبادة والتهجير والضم.
نحن ننظر بخطورة بالغة لهذه التصريحات ونتعامل معها بمنتهى الجدية ونطالب المجتمع الدولي بضرورة التعامل معها بجدية كبيرة، لأنها ليست فقط مجرد تصريحات وتفاخر بإجهاض أو رفض الدولة الفلسطينية المستقلة كحق من حقوق الشعب الفلسطيني وفقًا حتى للقرار الذي أقيمت بناء عليه دولة إسرائيل، إنما ما تمارسه الحكومة الإسرائيلية على الأرض.
أنظر كيف يتعاملون مع قطاع غزة، جرائم إبادة مستمرة، وتجويع، ومحاولات تهجير لم تتوقف، وكذلك جرائم الضم التدريجي الزاحف في الضفة الغربية المحتلة. منذ ما يزيد على 10 سنوات وأكثر، كانت الحكومات الإسرائيلية تكرس تهويد وضم القدس، والآن عندما تم إقرار المشروع الاستيطاني E1 تم فصل الضفة الغربية إلى منطقة في الجنوب ومنطقة في الوسط والشمال، بمعنى تحويل الضفة إلى "كنتونات" لا رابط بينها، والتجمعات الفلسطينية تغرق في محيط استيطاني ضخم لضرب وحدة جغرافيا الدولة الفلسطينية.
المسؤولون الإسرائيليون يتفاخرون بسياستهم المتمثلة بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لمحاولة وأد فرصة قيام دولة فلسطينية على الأرض. تخيل أيضًا أن المناطق المصنفة "جيم" تشكل ما يزيد عى 60% من مساحة الضفة الغربية. تم إبادة وتصفية أي شكل من أشكال الوجود الفلسطيني في 60% من الضفة الغربية. أيضًا 1200 بوابة وحاجز عسكري على مسافة البلدات والقرى والمخيمات والمدن الفلسطينية بمعنى تحويلها إلى تجمعات وجزر متناثرة تغرق في محيط استيطاني، لدرجة أن المواطن الفلسطيني لا يستطيع أن يتحرك من بلده باتجاه أعماله والمراكز الصحية والتعليمية إلّا برخصة أو تصريح من سلطات الاحتلال.
الضم عمليًّا هو قائم ويعيشه المواطن الفلسطيني في نظام فصل عنصري تكرسه الحكومة الإسرائيلية يوميًّا، وهذه القضية التي نحن بحاجة إلى استكمال الجهود الدولية والاعترافات من أجل إجبار دولة الاحتلال على الانصياع للسلام.
الاعترافات الجديدة لها بعد سياسي معنوي قانوني دولي، تجسد الشخصية القانونية لدولة فلسطين، ريثما يتم تنفيذها على الأرض، لكن عندما نقرأ الواقع، نلاحظ أن الحكومة الإسرائيلية تستخف بالإجماع الدولي، وتستخف بالاعترافات الدولية وبالقوانين الدولية كما تستهتر بقرارات الشرعية الدولية وأصبحت دولة مارقة، معزولة، تتمرد على الاتفاقيات الموقعة وعلى القانون الدولي. وهذه هي الحلقة التي لا بدّ من كسرها، وعلى مجلس الأمن الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لتحقيق ذلك.
دعنا نتفق على أن كل ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من إجراءات أحادية الجانب هي غير قانونية وغير شرعية بموجب القانون الدولي، لأن الحكومة الإسرائيلية تستطيع الإعلان عن ضم الضفة الغربية، لكن هل هذا الإجراء قانوني؟ هو بالضرورة غير قانوني ومخالف لقرارات الشرعية الدولية وخرق فاضح للقانون الدولي، وإسرائيل تقوم بإجراءات أحادية الجانب بقوة الاحتلال وعنجهية القوة، على عكس الرسائل التي يصدرها العالم لإسرائيل بأن رسالة الشعب الفلسطيني والرسالة الدولية هي رسالة سلام تقوم على القانون الدولي، وليس على عنجهية القوة.
الآن بالنسبة للمؤتمر الدولي بشأن حل الدولتين، لاحظ أنه عمل فرزا حادا بالمعادلة الدولية، أي أنه الغالبية العظمى من الدول وقفت في وجه التحالف الإسرائيلي الأمريكي، بمعنى أن هذه الاعترافات ومخرجات المؤتمر الدولي لحل الدولتين وإعلان نيويورك حاصر الموقف الثنائي المشترك بين الدولتين الحليفتين، وهذا سيحرج الإدارة الأمريكية.
الآن لدينا منصة أقوى للمطالبة بإنهاء الاحتلال وتطبيق الرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية تحت شعار أن السلام إستراتيجية فلسطينية عربية دولية عن طريق فتح مسار سياسي تفاوضي لإنهاء الصراع بطرق سياسية.
أما الذين يدعون لإنهاء الصراع بالطرق العنيفة فالنتيجة بالنسبة لذلك هي إدخال الساحة الفلسطينية والمنطقة في دوامة عنف كبيرة وحروب جديدة، وهي بالضرورة رسالة مناقضة للقانون الدولي وللمطالبات والمنشادات الدولية.
نتنياهو هاجم شخصيًّا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسترالي، وهذه الحكومة اليمينية المتطرفة تكيل التهم جزافًا وبطريقة غير مبررة لجميع الدول التي تعترف بدولة فلسطين، فتارة يتهمونها بمعاداة السامية، وتارة بدعم الإرهاب، فلماذا لا يعتبر نتنياهو أن هذه الاعترافات مكافأة للأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني التي تؤمن بالسلام وتمد يدها له؟
للأسف الشديد حكومات نتنياهو المتعاقبة منذ عام 2009 هي التي انقلبت على جميع الاتفاقيات الموقعة وانقلبت على اتفاقيات أوسلو، ولا يوجد في برنامج ائتلاف الحكومة الإسرائيلية الحالي كلمة واحدة عن السلام، حتى قبل الـ7 من أكتوبر. هذه الحكومة لا تريد أن تنخرط بعملية سلام مع شريك سلام فلسطيني يمد يده طيلة الوقت لكن للأسف بلا فائدة، وهذا ما أصبح العالم يدركه الآن، والمجتمع الدولي على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي أصبح يدرك تآكل الرواية الإسرائيلية، وتآكل تلك الاتهامات التي أصبحت لا تغني ولا تسمن من جوع.
نعم، هذا وارد وممكن، وهذا ما نتعامل معه حاليًّا بمنتهى الجدية، حيث إننا نعيش هذا الضم ولا نستطيع الخروج من أي مدينة أو مخيم أو قرية أو بلدة بالضفة الغربية إلا من خلال البوابات الحديدية، تخيل أن جنديًّا على الحاجز يحلو له أن يغلق البوابة لتتراكم الأسر وتتكدس على الحواجز لساعات طويلة، إضافة إلى الاستمرار بمصادرة الأراضي وبناء البؤر العشوائية، ومحاصرة القدس. هذا هو الوضع الذي نعيشه الآن.
السلطة الفلسطينية ستواصل حراكها السياسي والدبلوماسي وفق القانون الدولي لإجهاض جرائم الضم الإسرائيلية، وحتى نحقق صحوة دولية حقيقية بما في ذلك على مستوى الساحة الأمريكية لوقف هذا التغول الإسرائيلي ضد شعبنا ولإجبار الحكومة الإسرائيلية على الانصياع لإدارة السلام الدولية، فلا يوجد لدينا خيار آخر، فنحن نرصد خطط التهجير، لكننا صامدون في أرضنا وباقون فيها مهما بلغت التضحيات.
أبدًا، لا يمكن أن نلعب في الملعب الذي يختاره ويرغب به نتنياهو، لا يوجد لدينا قدرة أصلًا على مواجهة إسرائيل عسكريًّا، فالرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ انتخابه كرر منهج المقاومة الشعبية السلمية، ونحن لا يمكن لنا أن نلجأ للسلاح ونعطي نتنياهو المبرر للانقضاض على الضفة وتدميرها كما يقوم حاليًّا بتدمير قطاع غزة.
سلاحنا البقاء في أرض وطننا وأن لا نبرحه مهما كلفت التضحيات. سلاحنا مواصلة التمسك بالحقوق الوطنية المشروعة وألا نبقى وحيدين، بل مع الشركاء الدوليين وأصدقائنا دول الخليج والدول العربية، وأن نجري كافة الإصلاحات المطلوبة على المستوى الداخلي، بحيث نقدم أفضل وسائل الصمود للشعب الفلسطيني، معيشيًّا وسياسيًّا وإنسانيًّا.
دعنا لا نستبق الأمور، ثمة خيارات على مستوى القانون الدولي، ليست سهلة أو بسيطة، وجميعها مطروح للنقاش، فعلى طاولة الجانب الفلسطيني، لن نتصرف بمفردنا في هذا الموضوع، ولدينا شركاء في الدول العربية، نثق فيهم، ويتبنون مواقف شجاعة وتاريخية من أجل الشعب الفلسطيني.
بماذا تطالبون حركة حماس بعد هذه الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين؟
أولا، نوجه لها النداء بضرورة عدم إضاعة وتفويت فرصة الاعتراف بدولة فلسطين، وعليها أن تعلن فورا التزامها بالشرعية الفلسطينية وبرسالة التعهدات والضمانات التي أرسلها الرئيس محمود عباس لغالبية الزعماء والرؤساء في العالم، والتي بناء عليها تشجعت هذه الدول وأقدمت على هذه الاعترافات. على حماس أن تعلن اعترافها بإعلان نيويورك قبل فوات الأوان، بما يشكل حماية للشعب الفلسطيني من خطر الإبادة والتهجير والضم وعليها أن تنصاع لإرادة السلام الفلسطينية والعربية والدولية وفقًا للقانون الفلسطيني ووفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
هناك قنوات اتصال وهي قضية تخص الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح وليست من ضمن مهامنا في الخارجية الفلسطينية.
أعربنا عن أسفنا الشديد من هذه الخطوة لأنها تتناقض أولًا مع اتفاقية المقر بين الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، وثانيًا هي تتناقض مع ما هو معلن من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يؤكد يوميًّا أنه يسعى لإطفاء الحرائق ووقف دوامات العنف والحروب. فهذا القرار هو قرار استفزازي لا يستقيم مع هذه الدعوات.
ونبدي استغرابنا لأن السلطة الفلسطينية تقوم ليل نهار بالتأكيد علينا التزامها بالقانون الدولي وبقرارات الشرعية الدولية وبالاتفاقيات الموقعة، وبمحاربتها لجميع أشكال الإرهاب بما في ذلك إرهاب الدولة المنظمة، وتأكيدها أن السلام خيار إستراتيجي، لتحقيق السلام مع الجانب الإسرائيلي كي تعيش إسرائيل وفلسطين جنبًا إلى جنب باستقرار وأمان وبتعاون مشترك على قاعدة قيام الدولة الفلسطينية، ومع ذلك تم تفويض الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل يومين وحصل الرئيس محمود عباس على الأغلبية الساحقة التي تتيح له أن يخاطب المؤتمر الدولي الرفيع على مستوى القادة في نيويورك عبر "الفيديو كونفرانس".
ونأمل أن تراجع الإدارة الأمريكية مواقفها وتعدّل سياساتها وأن تقف إلى الجانب الصحيح من التاريخ لأننا نحرص على بناء أمتن العلاقات على المستوى الثنائي معها.