أدخل إعلان حزب الدعوة ترشيح أمينه العام نوري المالكي لمنصب رئيس الوزراء، المشهد السياسي العراقي في منعطف جديد، في وقت تتقارب فيه أصوات الكتل الشيعية بشكل لم يشهده العراق منذ سنوات.
والقرار، الذي صدر بالإجماع عن مجلس شورى الحزب، أعاد طرح "الأسماء الثقيلة" في معركة رئاسة الوزراء، ورفع من مستوى التعقيد داخل البيت الإطاري الذي لم يحسم حتى الآن مرشحه الرسمي.
ويأتي هذا التطور بينما تشهد الساحة الشيعية حالة "تموضع صامت" بين القوى الفائزة، خاصة مع تباين مستويات النفوذ داخل الإطار، وامتلاك بعض الكتل مقاعد صافية تعزز قوتها التفاوضية، مقابل ائتلافات واسعة لكنها غير متجانسة بالكامل.
كما ينعكس غياب الفارق الكبير بالمقاعد على شكل المفاوضات، إذ لم يعد أي طرف قادراً على فرض اسم رئيس الوزراء دون تفاهمات دقيقة تشمل توزيع الوزارات الثقيلة، ورسم شكل التحالفات مع القوى السنية والكردية.
وتشير دوائر سياسية إلى أنّ "أبواب الولاية الثانية لم تُغلق بالكامل"، أمام رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الذي يسعى إلى إبقاء حضوره داخل مسار التفاوض قائماً، رغم اعتراضات داخل الإطار الذي سبق أن تبنّى موقفاً بعدم دعم «ولايات ثانية» لأي رئيس وزراء.
حظوظ السوداني
ومع ذلك، يرى مراقبون أن السوداني ما زال رقماً صعباً، لا سيما في ظل علاقاته المتوازنة مع الأطراف الخارجية، ورغبته في استكمال مشاريعه الحكومية التي لم تكتمل بعد.
وفي ظل هذه الصورة المعقّدة، جاء ترشيح المالكي ليضيف طبقة جديدة من التنافس داخل البيت الشيعي، ويعيد طرح سؤال الحظوظ الفعلية لكل مرشح.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث السياسي علي السامرائي أن "التقارب العددي بين الكتل يدفع الجميع إلى إعادة تقييم خياراتهم"، مشيراً إلى أن "المرحلة الحالية قد تشهد بروز كتل صاعدة أكثر تأثيراً من السابق، ما يدفع المشهد داخل البرلمان المقبل ليكون أكثر احتداماً بفعل ضيق الفوارق السياسية والعددية".
وأضاف السامرائي لـ"إرم نيوز" أن "موضوع رئاسة الوزراء دخل فعلياً مرحلة الحسم بين عدد محدود من الأسماء، وأن التوافق النهائي يتوقف على موازنة القوى داخل الإطار، وعلى شكل التحالفات مع المكونات الأخرى".
جدل ترشح المالكي
وبينما يتصاعد الجدل حول حظوظ المالكي، تعود الذاكرة السياسية إلى التجربة التي قاد خلالها العراق لولايتين بين عامي 2006 و2014، قبل أن يغادر المنصب في ظل ظروف سياسية وأمنية بالغة التعقيد بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة.
وأزاحته حينها ضغوط واضحة من المرجعية الدينية في النجف التي دعت إلى "تغيير القيادة التنفيذية"، ورغم ذلك، حافظ المالكي على نفوذه داخل الدولة، وظل رقماً بارزاً في المعادلة السياسية من خلال قيادة ائتلاف دولة القانون، ودوره المؤثر داخل الإطار.
ومنذ العام 2014، استطاع المالكي أن يبني شبكة تحالفات ممتدة داخل مؤسسات الدولة، واحتفظ بموقع مؤثر في صناعة القرارات الكبرى، دون أن يطرح نفسه مرشحاً مباشراً لرئاسة الوزراء حتى إعلان حزب الدعوة الأخير.
ويُنظر إلى خطوته الحالية بوصفها اختباراً لقدرة الحزب على استعادة موقعه داخل السلطة التنفيذية، مستفيداً من اللحظة السياسية التي تعاني من توازن هش بين القوى المتنافسة.
زيارة أربيل
ولم يقتصر الحراك على بغداد؛ إذ يجري المالكي زيارة لافتة إلى أربيل يلتقي خلالها مسعود بارزاني، وكبار مسؤولي الإقليم، في محاولة لفتح مسار تفاوضي مبكر مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يملك ثقلاً مؤثراً في معادلة تشكيل الحكومة، إذ تشير مصادر سياسية إلى أن المالكي يسعى إلى إعادة تفعيل خطوط التواصل التي كانت عاملاً حاسماً خلال ولايتيه السابقتين.
ويثير ترشيح المالكي لمنصب رئيس الوزراء تساؤلات واسعة حول موقف التيار الصدري، الخصم السياسي الأكثر احتكاكاً مع المالكي خلال العقدين الماضيين، خاصة بعد انسحاب التيار من الانتخابات، وعدم مشاركته في البرلمان الجديد.
وفي هذا السياق قال الأكاديمي وأستاذ الإعلام غالب الدعمي إن "التيار الصدري، وبعد انسحابه الكامل من العملية السياسية، لن يكون قادراً على الاعتراض المؤثر على ترشيح أي شخصية، بما فيها المالكي"، مؤكداً أن "رئيس الوزراء المقبل يُحسم داخل البرلمان، والصدريون غير موجودين فيه".
وأضاف الدعمي لـ"إرم نيوز" أن "رفض التيار – إن وُجد – سيبقى محصوراً في الأوساط الشعبية أو بمواقف معنوية، لكن تحويل هذا الرفض إلى فعل سياسي مباشر أو تأثير عملي على مسار تشكيل الحكومة أمر غير وارد في هذه المرحلة".
وبين ترشيح المالكي وتفاعلات صعود "الكتل الصافية"، ومحاولات السوداني البقاء في دائرة التأثير، تبدو معركة رئاسة الوزراء مفتوحة على سيناريوهات متعددة، في لحظة سياسية يقترب فيها الجميع من بعضهم عددياً، ويبتعدون عن أي تفاهم نهائي.