تواجه وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أزمة غير مسبوقة، إثر تعرضها لقرارين مفصليين من الولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي يضع الوكالة أمام خيارين مريرين: إما شلل تام نتيجة نضوب الموارد، أو الفناء التام في ظل انعدام البدائل.
وبحسب ما أفاد به مراسلو "إرم نيوز"، نقلاً عن قراءات مختصين في متابعة القضايا الفلسطينية، فإن تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمساعدات الأمريكية للأونروا، بالإضافة إلى قرار الحكومة الإسرائيلية بحظر عملها وإغلاق مكاتبها في القدس، يمثلان أصعب مرحلة في تاريخ هذه الوكالة الأممية التي تأسست لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين عقب نكبة 1948.
وفي حديث مع الخبير في قوانين الهجرة، ميشيل نجم، الذي عمل لسنوات طويلة في الأمم المتحدة، أوضح أن الأونروا قد واجهت طيلة العقود الماضية العديد من المشاكل المالية والإجرائية، لكنها استطاعت أن تستمر في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وفي دول الجوار العربية.
كما أشار نجم في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى أن أوقاتًا صعبة مرّت في أعقاب اتفاق أوسلو، حين كان مصير الوكالة محل تساؤل في المفاوضات المتعلقة بقضية اللاجئين، إلا أن الأمور تعطلت لاحقًا.
وأضاف نجم أن ما تشهده الأونروا اليوم من تجفيف لمواردها مصحوبًا بحظر عملها في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة يشكل تحديًا حقيقيًا.
ويجعل الأمر أشبه بتفجير أزمة تهدد وجود الوكالة ووظيفتها الأساسية، ويجبر الدول المضيفة للاجئين على البحث عن بدائل قد تتضمن التوطين، وهو ما يصرّ عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينما ترفضه الأطراف العربية كافة.
ومن المعروف أن وكالة الأونروا تواجه خطرًا كبيرًا، إذ أصدرت إسرائيل في 28 تشرين الأول 2024 قانونًا يلزم الوكالة بإخلاء مكاتبها في القدس بحلول 30 كانون الثاني 2025، وتنفيذ القرار على الأرض بعد 90 يومًا من إقراره. هذا القانون يقضي بمنع الوكالة من العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي هذا السياق، أكد نجم أن إسرائيل كانت قد أبلغت الأمم المتحدة بأن عليها إغلاق مكاتب الأونروا في القدس قبل نهاية الشهر الجاري، ولا يزال الموقف غير واضح حتى الآن بشأن رد فعل الأمم المتحدة، وهل ستقتصر استجابتها على رفض دبلوماسي للمطالب الإسرائيلية.
ومن الجدير بالذكر أن تبعية الأونروا للأمم المتحدة تعني أنه لا يمكن لأي جهة إلغاء عملها أو تقويضه إلا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يجعل تصفية الوكالة عملية معقدة في القانون الدولي. إلا أن ميشيل نجم يرى أن الحظر الإسرائيلي المزدوج مع تجفيف المساعدات الأمريكية يمثل "جرعة تسميم" قد تكون المسمار الأخير في نعش الوكالة الأممية.
وكان الرئيس الأمريكي قد وقع على مرسوم إداري في بداية ولايته بتعليق جميع برامج المساعدات الخارجية مؤقتًا لمدة 90 يومًا لحين مراجعتها وتحديد مدى توافقها مع أهداف السياسة الأمريكية، بما في ذلك تمويل الأونروا. ورغم أنه كان من المقرر أن تستأنف الولايات المتحدة مساعداتها للوكالة في آذار المقبل، إلا أن الحظر الإسرائيلي والمواقف السياسية الأمريكية قد يغيران مجرى الأمور بشكل جذري.
وفي تقييمه لمستقبل الأونروا بعد الحظر الإسرائيلي وقرار تعليق المساعدات الأمريكية، يرى المحامي في القانون الدولي إبراهيم الدلو أن الوضع يحمل الكثير من الغموض. ويشير إلى أن استمرار الوكالة أصبح شبه مستحيل في ظل هذه الظروف، بينما تبقى البدائل المطروحة غير مضمونة أو واقعية.
ويذكر الدلو لـ"إرم نيوز" أن الذرائع التي استخدمتها إسرائيل لتبرير حظر الأونروا، مثل تواطؤ بعض موظفيها مع حركة حماس، ليست سوى تجديد لنهج طويل تتبعه إسرائيل بهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر الاستيطان والتهجير.
لكن الجديد في هذا السياق هو تزامن الحظر الإسرائيلي مع سياسة التجفيف المالي الأمريكي، ما يفتح المجال للشكوك حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية قد اتخذت قرارًا فعليًا بشطب الأونروا من الساحة، رغم أن الوكالة لا تزال تمثل ركيزة أساسية لحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وهم وأحفادهم، الذين يقدر عددهم الآن بحوالي 7 ملايين شخص.