ذهب خبراء ومحللون اقتصاديون إلى أن إعلان تركيا إنهاء اتفاقية خط أنابيب النفط مع العراق يمثل تحولاً مفصلياً في العلاقة الاقتصادية بين البلدين، ويكشف عن مرحلة إعادة تموضع لأنقرة في ملف الطاقة.
وكانت الحكومة التركية نشرت قراراً ينص على إنهاء اتفاقية خط أنابيب النفط الخام المبرمة مع العراق عام 1973، وجميع البروتوكولات المرتبطة بها، اعتباراً من يوليو 2026.
وينص القرار على أن الخط سيستمر بالعمل حتى انتهاء الاتفاقية رسمياً بعد عام، ما يمنح الطرفين فرصة لمفاوضات جديدة، إلا أن التوقيت أثار تساؤلات سياسية واقتصادية.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إن "هذا القرار يستند إلى المادة (11) من الاتفاقية المعدلة في 2010، والتي تتيح لأي من الطرفين إنهاءها بعد إبلاغ الطرف الآخر قبل عام من انتهاء مدتها".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "العراق لم يبادر بتمديد الاتفاق رغم إمكانية ذلك منذ عامين، ما فتح الباب أمام تركيا للانسحاب، سواء بدافع الرد على خسارتها قضية التحكيم التي ترتبت عليها غرامة تبلغ 1.5 مليار دولار، أو ضمن خطة أوسع لإنشاء خطوط جديدة لنقل النفط والغاز من البصرة إلى ميناء جيهان".
وأوضح أن "المشروع التركي الجديد، الذي يُعرف بمسار (البصرة – سيلوبي)، يندرج ضمن طموحات أنقرة للتحول إلى مركز طاقة، ويتقاطع مع مشروع (طريق التنمية) الذي يدعمه العراق أيضاً، ما يجعل التنسيق النفطي أكثر تعقيدًا من مجرد خلاف قانوني".
وجاء الإعلان التركي بعد أقل من أسبوع على توقيع بغداد وأربيل اتفاقاً جديدًا لاستئناف تصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان، ما اعتُبر حينها اختراقًا مهمًا لأحد أكثر الملفات تعقيدًا بين الطرفين.
لكن القرار التركي الأخير قد يعيد خلط الأوراق، ويُربك تنفيذ الاتفاق، خاصة في ظل الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيّرة على عدد من الحقول والمنشآت النفطية في كردستان، والتي دفعت بعض الشركات الأجنبية إلى تعليق عملياتها.
وقال الخبير النفطي كوفند شيرواني، إن "قرار الحكومة التركية بعدم تمديد اتفاق أنبوب العراق – تركيا يضيف إشكالات جديدة إلى الاتفاقية التي وقعت الأسبوع الماضي بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول استئناف تصدير النفط من ميناء جيهان مقابل أن تلتزم الحكومة العراقية بتسديد رواتب موظفي الإقليم والمتقاعدين".
وأضاف شيرواني لـ"إرم نيوز" أن "الاتفاق الجديد يعاني أصلًا من تحديات ميدانية نتيجة القصف المتكرر لمنشآت نفطية، ما أدى إلى توقف الإنتاج في بعض الحقول، وبالتالي فإن تطبيق الاتفاق بالشكل الكامل أصبح صعباً، والقرار التركي الجديد سيزيد من تعقيداته، لأنه يضغط على الأكراد والحكومة العراقية في آن واحد".
وأشار إلى أن "توقيت القرار لم يكن مناسبًا لا للعراق ولا للإقليم، وهو يحرج الطرفين أمام الشارع المحلي، خصوصاً أن حكومة السوداني تحاول الالتزام بصرف الرواتب ضمن تسوية سياسية هشة".
ويُعد خط أنابيب العراق – تركيا أحد الشرايين الحيوية لتصدير النفط العراقي، إذ صمم منذ السبعينيات ليستوعب أكثر من مليون برميل يومياً، ويخدم موانئ التصدير التركية على المتوسط.
وقد وقعت الاتفاقية الأصلية عام 1973، وتم تعديلها في سنوات لاحقة (1976، 1985، 2010)، وتنص صراحة على ضرورة التزام أنقرة بتعليمات وزارة النفط العراقية في ما يخص حركة النفط الخام.
لكن الخلاف تفجّر عام 2014، حين بدأت حكومة إقليم كردستان بتصدير النفط مباشرة إلى الخارج من دون موافقة بغداد، ما دفع العراق إلى رفع دعوى تحكيم في غرفة التجارة الدولية ضد تركيا وشركة "بوتاش" المشغلة للخط، باعتبار ذلك خرقاً للاتفاق.
ويمتلك العراق حاليًا عدة منافذ لتصدير نفطه، أبرزها موانئ البصرة وخور العمية في الجنوب، والتي تستوعب أكثر من 3 ملايين برميل يومياً.
كما يوجد خط أنابيب عبر الأردن قيد التخطيط، وخط آخر يُحتمل إنشاؤه عبر سوريا إذا توفرت الظروف السياسية.
لكن خط جيهان التركي كان يُعد منفذ العراق الأساسي لتصدير نفط الشمال وكردستان، ولذلك فإن توقفه – ولو مؤقتاً – يضعف قدرة العراق على التصدير ويؤثر على واردات الإقليم بشكل مباشر.
وتبلغ الطاقة الإجمالية للإنتاج النفطي العراقي أكثر من 4.6 مليون برميل يوميًا، يصدر منها أكثر من 3.3 مليون، ويعتمد العراق بنسبة تفوق 90% على الإيرادات النفطية لتمويل موازنته.
ويُتوقع أن تدخل بغداد مرحلة تفاوض جديدة مع أنقرة لإبرام اتفاق بديل، لكن بشروط أكثر تشدداً من السابق، في وقت لا تزال فيه العلاقة مع أربيل تتأرجح بين الاتفاقات الهشة والمخاوف من الانهيار المفاجئ.