رأى خبراء، أن الاتفاق الجديد بين العراق وتركيا بشأن زيادة الإطلاقات المائية في نهرَي دجلة والفرات لا يعالج جذور الأزمة المائية التي تواجه البلاد، خاصة في ظل غياب اتفاقات ملزمة، وتقاسم منصف للمياه المشتركة.
وكان رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني، تلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس مجلس الأمة التركي نعمان كورتولموش، أُعلن خلاله بدء تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المشهداني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وينص على إطلاق 420 مترًا مكعبًا في الثانية من المياه في نهري دجلة والفرات.
جاء الإعلان الرسمي عن الاتفاق خلال زيارة المشهداني إلى تركيا على رأس وفد نيابي، حيث التقى الرئيس أردوغان وتم الاتفاق على زيادة الإطلاقات المائية.
وذكر بيان لمجلس النواب أن "المشهداني طالب بأن يحظى ملف المياه باهتمام القيادة التركية، وزيادة إطلاق دفعات المياه في نهري دجلة والفرات، لإيصالها إلى جميع سكان العراق، خاصة في المناطق الجنوبية التي تعاني من الشح".
في هذا السياق، قال الخبير في الشأن المائي مخلد عبد الله إن "الإطلاقات التركية الأخيرة لا تمثل اتفاقًا حقيقيًا، بل هي تفاهم مؤقت منح مزيدًا من الامتيازات للشركات التركية لتنفيذ مشاريع داخل العراق".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "الرقم المُعلن (420 مترًا مكعبًا في الثانية) لا يكفي إلا لتلبية مياه الشرب، في شهري /يوليو/تموز وأغسطس/آب، ولا يسهم بتعزيز التخزين المائي أو التحضير للموسم الزراعي المقبل".
وأوضح أن "تركيا تمكّنت خلال السنوات الماضية من فرض واقع مائي جديد من خلال بناء سدود ضخمة، في حين عجز العراق عن انتزاع اتفاق ملزم يتضمن جداول واضحة بالإطلاقات ونسب الحصص المائية، أسوة بما هو معمول به في الدول التي تتقاسم أنهارًا دولية".
وتعاني محافظات عراقية عدة من أزمة مائية حادة بسبب التراجع الكبير في مستويات المياه، لا سيما في شط العرب والأهوار والبحيرات الجنوبية، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة وحدوث هجرة واسعة من الريف إلى المدينة.
وبحسب وزارة الموارد المائية العراقية، بلغ الخزين المائي في البلاد حده الأدنى تاريخيًا، إذ يعتمد العراق، حاليًا، على إطلاقات محدودة من سد الموصل (320 م³/ثا) وسد حديثة، إضافة إلى ضخ المياه من بحيرة الثرثار بمعدل 41 م³/ثا.
في المقابل، شدد عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي مختار الموسوي، على ضرورة أن "تتعامل الحكومة العراقية مع تركيا وفق منطق المصالح المتبادلة والضغط الاقتصادي"، مشيرًا إلى أن "أنقرة تمتلك تاريخًا طويلًا من عدم الالتزام بالاتفاقات المائية الموقعة، وهو ما يتطلب ربط التبادل التجاري والنفطي مع تركيا بإجراءاتها تجاه ملف المياه".
وأضاف الموسوي لـ"إرم نيوز"، أن "الحكومة العراقية مطالبة بتفعيل الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية للضغط على تركيا، ومن بينها استخدام أوراق التجارة، وملف النفط، والتسهيلات اللوجستية، لإجبارها على الالتزام بالقوانين الدولية الخاصة بالأنهار المشتركة".
وكان تقرير لمجلة "فوربس"، تناول أخيرا أزمة المياه في العراق ضمن سياق أوسع لأزمة الجفاف في الشرق الأوسط، محذرًا من أن البلاد باتت تمتلك فقط 10 مليارات متر مكعب من المياه في خزينها الإستراتيجي، أي أقل من نصف حاجتها خلال الصيف.
وأشار التقرير، إلى تأثير ظاهرة "إل نينو" وتغير المناخ في تفاقم الأزمة، فضلًا عن توسع مشاريع السدود التركية والإيرانية.
وأوصى الخبراء بضرورة تبني العراق سياسات شاملة لإدارة المياه، والاستثمار في الخزين الجوفي، وتحلية المياه، وتنويع مصادر التمويل لمشاريع الري، بالتوازي مع ممارسة الضغط السياسي على الدول المتشاطئة.