logo
العالم العربي

"دبلوماسية الإظلام".. غاز إيران يضع سيادة العراق في اختبار التوازنات

محطة بسماية الكهربائية في بغداد المصدر: منصة إكس

رأى مراقبون للشأن العراقي أن توقف ضخ الغاز الإيراني إلى العراق بالكامل لا يمكن فصله عن سياق سياسي أوسع، إذ أعاد إلى الواجهة ملف الطاقة بوصفه إحدى أكثر أوراق التأثير في العلاقة بين بغداد وطهران؛ ما يمنح القرار أبعادًا تتجاوز التفسيرات التقنية المرتبطة بالطلب الداخلي أو الظروف المناخية.

والقرار، الذي أُبلغت به وزارة الكهرباء العراقية عبر برقية عاجلة، تزامن مع تحضيرات تشكيل الحكومة الجديدة وتصاعد النقاشات حول النفوذ الإقليمي وحدود تأثيره داخل العراق.

وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية خسارة المنظومة ما بين 4 آلاف و4.5 ألف ميغاواط نتيجة توقف ضخ الغاز الإيراني، مؤكدة أن الإنتاج الحالي يناهز 17 ألف ميغاواط، مع اعتماد محطات عدة على الوقود البديل بالتنسيق مع وزارة النفط لحين عودة الإمدادات.

أخبار ذات علاقة

محطة بسماية الكهربائية في بغداد

العراق يعلن توقف كامل إمدادات الغاز الإيراني بسبب "ظروف طارئة"

معضلة هيكلية

وبحسب المتحدث باسم الوزارة أحمد موسى، فإن الجانب الإيراني أرجع التوقف إلى "ظروف طارئة" مرتبطة بانخفاض درجات الحرارة وارتفاع الطلب المحلي، وهو ما أثار مخاوف عراقية من احتمال استمرار الانقطاع طوال فصل الشتاء.

ويمثل هذا التطور تحديًا للعراق، إذ تشير تقديرات فنية إلى أن نحو 35% من قدرته الكهربائية تعتمد بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الغاز المستورد من إيران؛ ما يجعل أي توقف، حتى وإن وُصف بالمؤقت، عاملًا ضاغطًا على شبكة تعاني أصلًا من تهالك البنى التحتية وتراجع الكفاءة.

وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي عبدالحسن الشمري، إن "الاعتماد العراقي على الغاز الإيراني تحوّل من خيار مرحلي إلى معضلة هيكلية، بفعل تأخر مشاريع الاستقلال الطاقي، وضعف الاستثمار في الغاز المصاحب؛ ما جعل العراق عرضة لتقلبات سياسية وتقنية لا يملك السيطرة عليها".

وأضاف الشمري لـ"إرم نيوز"، أن "الانقطاعات المتكررة، حتى وإن بُررت بأسباب داخلية إيرانية، تفرض على بغداد تسريع مسارات التنويع؛ لأن كلفة البدائل المؤقتة، مثل: الوقود السائل، أعلى اقتصاديًّا وأكثر ضررًا بيئيًّا".

وتقول تقارير إيرانية إن التوقف الحالي لا يخرج عن إطار "عرف عالمي" في عقود تصدير الغاز عبر الأنابيب، حيث تُمنح الأولوية لتلبية الطلب الداخلي خلال ذروة الشتاء، كما هي الحال في تجارب دول أخرى.

أخبار ذات علاقة

منظر عام لخط أنابيب كركوك

محطات عائمة في البصرة.. حل استراتيجي أم هروب من قبضة الغاز الإيراني؟

رسائل ضغط

غير أن تحليلات أخرى تتحدث عن أزمة أعمق تتعلق بتراكم ديون وتعقيدات مالية ناجمة عن العقوبات، فضلاً عن محدودية الاستثمارات في تطوير حقول الغاز والبنى التحتية؛ ما يقيّد قدرة طهران على الالتزام المستدام بتعهداتها التصديرية.

ويقرأ مراقبون عراقيون توقيت التوقف باعتباره رسالة ضغط غير مباشرة، خصوصاً مع تراجع أوراق النفوذ التقليدية لإيران داخل العراق.

وفي هذا الإطار، قال الباحث السياسي كاظم ياور، إن "ملف الطاقة بات من الأدوات القليلة المتبقية بيد طهران للحفاظ على حضورها وتأثيرها في الساحة العراقية، بعد تراجع أدوار أخرى كانت فاعلة في مراحل سابقة".

 وأضاف ياور لـ"إرم نيوز" أن "إيران، ومع اقتراب تشكيل الحكومة الجديدة وتصاعد المطالب الأمريكية بشأن ملفات أمنية وسيادية، تحاول إعادة ضبط علاقتها مع بغداد عبر أوراق اقتصادية، وفي مقدمتها الغاز، لضمان عدم تآكل نفوذها الإستراتيجي".

وأوضح ياور أن "العراق يجد نفسه في موقع حرج بين حاجته الفعلية للطاقة وبين الضغوط المتقاطعة؛ ما يجعل ملف الغاز يتجاوز كونه قضية تجارية إلى كونه أداة تفاوض سياسي"، مشيرًا إلى أن "استمرار هذا النمط الدوري من الانقطاعات يضع بغداد أمام خيارين: إما القبول بإيقاع العلاقة الحالي، أو الدخول في مسار مكلف ومعقد لبناء بدائل إقليمية ودولية".

ويرجح مختصون عودة ضخ الغاز تدريجيًّا مع تحسن الظروف المناخية وانخفاض الاستهلاك الداخلي في إيران، وفق السيناريوهات التي تكررت في سنوات سابقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC