يسارع العراق الخطى نحو إنشاء محطات عائمة لاستيراد الغاز المسال، في محاولة عاجلة لتفادي الأزمات المتكررة التي تهدد المنظومة الكهربائية.
ومنذ سنوات، تسعى بغداد لإيجاد مخارج لأزمة الغاز الإيراني التي تحولت إلى ورقة ضغط بيد طهران وواشنطن على حد سواء؛ إذ أدى ارتفاع الاستهلاك المحلي داخل إيران إلى تقليص الإمدادات للعراق من 50 مليون متر مكعب يومياً إلى أقل من 20 مليوناً؛ وهو ما تسبب بخسارة بين 4 و5 آلاف ميغاواط من القدرات المنتجة، قبل أسابيع عدة.
وأوضح الخبير في مجال الطاقة المتجددة مازن السعد، خلال حديث لـ"إرم نيوز"، أن "الاستغناء عن الغاز الإيراني لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة اقتصادية وبيئية؛ لأن العراق يدفع سنوياً ما بين 6 و7 مليارات دولار ثمناً لواردات الغاز والكهرباء من إيران، في حين أن هذه الأموال يمكن استثمارها في تطوير البنية التحتية للطاقة داخل البلاد".
وأضاف أن "الحلول الحالية مثل استئجار المنصات العائمة أو شراء الغاز من قطر وسلطنة عمان هي معالجات غير مستدامة، تكشف عن غياب التخطيط الاستراتيجي وإدارة ملف الطاقة بعقلية مستعجلة".
ولا يزال العراق يسعى فعلياً لتأجير منصات عائمة لاستيراد الغاز من دول مختلفة، مع الإشارة إلى أن مشروعاً من هذا النوع قيد الإنشاء حالياً في ميناء خور الزبير بالبصرة، يتصل بأنبوب بطول 45 كم سينقل الغاز مباشرة إلى محطات الكهرباء.
ووفق وزارة النفط، تمت دعوة 6 شركات عالمية للتنافس على المشروع، لم يتأهل منها سوى شركتين فنياً وتجارياً، على أن يُحسم العقد النهائي خلال الأسابيع المقبلة.
ويشدد مختصون على أن نجاح هذه المشاريع مرتبط بتوفير بنى تحتية متكاملة لاستقبال الغاز وتخزينه وإيصاله إلى المحطات، إضافة إلى ضرورة تسريع الاستثمار في الغاز المصاحب المحلي الذي يُحرق يومياً بكميات هائلة.
ويشير هؤلاء إلى أن العراق لو استثمر هذا الغاز منذ سنوات لحقق الاكتفاء الذاتي وربما تحول إلى مصدر للطاقة.
وبدوره، قال الخبير النفطي كوفند شيرواني إن "اكتمال تشغيل هذه المنصات قد يستغرق شهرين إلى 3 أشهر، وبعدها سيتمكن العراق من استيراد كميات كبيرة من الغاز المسال، وهو ما سيقلل من الأزمة الحادة، لكن بشكل جزئي، بانتظار استكمال المشاريع الاستراتيجية طويلة الأمد مثل عقود توتال إنرجي الفرنسية التي ستنتهي بحلول 2028".
وأوضح لـ"إرم نيوز" أن "وزارة النفط ما زالت تعمل على رفع نسب استثمار الغاز المصاحب للنفط، حيث تأمل أن تصل إلى 70% مع نهاية العام الحالي، على أن تحقق نسبة 100% خلال السنوات الثلاث المقبلة، أي بحلول عام 2028".
وأشار إلى أن "تحقيق هذا الهدف سيمكّن العراق من الاستغناء عن جزء كبير من الغاز المستورد من إيران، ويمنحه قدرة أكبر على تأمين احتياجات محطات الكهرباء محلياً دون الارتهان إلى الخارج".
في المقابل، يرى خبراء آخرون أن لجوء العراق إلى استئجار منصات عائمة يمثل حلاً مكلفاً وغير مستدام؛ إذ إن الأموال التي تُدفع مقابل الاستئجار كان يمكن أن تُستثمر في بناء منصات ثابتة وربطها بخطوط الإمداد الوطنية.
وتكشف أوساط حكومية أن فقدان واردات الغاز الإيراني يعني خسارة ما يقارب ثلث إنتاج العراق اليومي من الكهرباء؛ إذ ينتج البلد حالياً نحو 28 ألف ميغاواط فقط، بينما تتجاوز الحاجة الفعلية 50 ألفاً.
وتعمل وزارة النفط على تنفيذ مشاريع عاجلة، بينها مد أنبوبين استراتيجيين: الأول بطول 40 كم من خور الزبير إلى ناظم شط العرب، والثاني بطول 45 كم من المحمودية إلى محطة بسماية.
وبحسب الوزارة، فإن الأنبوبين باتا جاهزين لاستقبال الغاز المستورد؛ ما يوفر قدرة إضافية على ربط المنصات العائمة الجديدة بالمنظومة الوطنية.
ويأمل عراقيون انتهاء حقبة الاعتماد على الغاز الإيراني خلال السنوات المقبلة، مع استكمال مشاريع استثمار الغاز المحلي وتشغيل المنصات العائمة والتعاقدات مع الشركات العالمية.
غير أن هذه التطلعات ما زالت تصطدم بجملة من العراقيل، أبرزها تأخر الإنجاز، وضعف البنى التحتية، وتداخل المصالح السياسية والاقتصادية، إلى جانب الضغوط الخارجية التي تجعل ملف الطاقة ساحةً لصراع مفتوح.