مع استكمال انتشار الجيش اللبناني في المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي فجر الثلاثاء، وجدتْ الرئاسة اللبنانية نفسها في مواجهة ميليشيا حزب الله في ثلاثة ملفات تصفها المراجع السياسية بأنها قابلة للخروج عن السيطرة.
واستحق اتفاق وقف النار بين ميليشيا حزب الله وإسرائيل زمنيًا، غير أن الانسحاب جاء منقوصًا ببقاء 5 نقاط في الشريط الحدودي بيد تل أبيب؛ ما يعني أن الاحتلال مستمر ومواجهته محل إجماع وطني.
تصادم الخيارات
وبينما تريد الرئاسات اللبنانية الثلاث (الجمهورية والنواب والحكومة) مواجهة هذا الاحتلال باستخدام الأسلحة الدبلوماسية، تريدها ميليشيا حزب الله بتحشيد الشوارع الشعبية دون إسقاط خيار المواجهة المسلحة.
وفي ذلك كما تقول المصادر استهلال لأيام قادمة مثقلة بالأجندات الداخلية والخارجية، يتصدرها إصرار أمريكي وإسرائيلي على نزع سلاح ميليشيا حزب الله، إن لم يكن بالاتفاق فبالقوة، حسب التعبير الذي تكرر مؤخرًا على لسان ممثلي الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية.
وكانت القوات الإسرائيلية انسحبت فجر 18 فبراير/شباط الجاري من عشر قرى في الجنوب اللبناني، فيما أبقت على وجودها بخمس نقاط رئيسة على طول الحدود.
وفي الوقت الذي رفضت فيه الرئاسات اللبنانية الثلاث عدم الانسحاب الإسرائيلي الكامل، واعتمدت الوسائل الدبلوماسية في مواجهة ذلك، كررت ميليشيا حزب الله تعميم موقفها بانتقاد هذا الموقف الرسمي للدولة، معتبرة إياه انصياعًا تامًا لـ"الوصاية الأمريكية"، وإسقاطًا للبند المتعلق بـ"المقاومة"، خلافًا لما درجت عليه مضامينُ البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة طوال عقدين.
المحلل السياسي يوسف أبو هنيّة، قرأ في تعميمات ميليشيا حزب الله بشأن البيان الرئاسي لهجة تصعيد في الرد على حيثيات حق الدولة في احتكار حمل السلاح، وعلى الدعوة إلى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة تضمن للبنان أن يكون دولة تملك قرار الحرب والسلم، ويكون جيشها صاحب عقيدة قتالية دفاعية يخوض أي حرب وفق أحكام الدستور.
صدام مرتقب
ويخرج أبو هنية من هذه المقاربة، بالقول، إن الظروف تتسارع باتجاه الصدام بين ميليشيا حزب الله والدولة اللبنانية حول مفهوم "المقاومة" ومن له الحق بحمل السلاح. فالتخريجة التي حوّلت اتفاق وقف النار إلى احتلال طويل الأمد لم تترك بديلًا عن الصدام الذي تتراكم شواهده وبسرعة، كما يقول.
ويعطي المحلل أبو هنية شاهدًا آخر على احتقان العلاقة بين ميليشيا حزب الله والدولة، وهي الأزمة المتحركة التي نشأت خلال الأيام القليلة الماضية بين لبنان وإيران. فقد جرى وقف رحلات الطيران الإيراني القادمة من طهران إلى مطار بيروت، ربطًا بموضوع تمويل ميليشيا حزب الله وتسليحها.
وأضاف، أن ذروة حبس الأنفاس اللبنانية، وهي تتابع احتقان العلاقة بين ميليشيا حزب الله والدولة، سيكون يوم 23 من الشهر الحالي، موعد تشييع جثامين القياديين في الميليشيا اللبنانية، حسن نصرالله وهاشم صفي الدين. فما سيصاحب التشييع من تحشيد استثنائي واستعراض للقوة غير مسبوق، يصنع مناسبة شديدة الحرج للدولة توجب الاستنفار تحوّطًا لأي تفخيخ مسلح قد يبقى مجهول المصدر.
ترسيم خرائط المنطقة
المحلل السياسي طلال الزرعيني، يرى في هذه الشواهد المترادفة من احتقان المشهد اللبناني بسبب "حزب الله" فصلًا مكمّلًا لما يجري في حرب غزة.
وأشار الزرعيني في حديث مع "إرم نيوز"، إلى ما استجد بعد قمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي من زاوية أن الخريطة الإقليمية يجري الآن إعادة ترسيمها بتوافق الرأي بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلة، مع برمجة لنزع أسلحة الفصائل والميليشيات في المنطقة، وفي مقدمتها ميليشيا حزب الله.
ولا يتردد الزرعيني في الدعوة للتحوّط الأمني بمناسبة تشييع قياديي ميليشيا حزب الله، من زاوية أن أي تلغيم لها في مثل هذا المناخ المأزوم، سيصنع أزمة تتجاوز الحدود اللبنانية في موسم إعادة ترسيم الخرائط بالمنطقة، كما يقول.