سجل عام 2025 تحولاً مفصلياً في موقع سوريا على الخريطتين الإقليمية والدولية، بعد عقود من العزلة السياسية والاقتصادية، تمثل في عودة الحضور الدبلوماسي الرسمي إلى المحافل الدولية، وفتح قنوات سياسية واقتصادية أعادت دمشق تدريجياً إلى موقعها المركزي.
وشهدت دمشق جولات مكوكية لوفود عربية وأجنبية، في إطار سعيها الواضح لاستعادة دورها الريادي على خريطة العلاقات الخارجية، وتثبيت شرعيتها السياسية من خلال تفعيل الدور السياسي في النظام الدولي.
وعلى الصعيد العربي، كان عام 2025، عاماً حاسماً أعاد تشبيك العلاقات مع دول الجوار، عبر زيارات متبادلة على مستوى الرئاسة والخارجية، فضلاً عن الحضور اللافت في المحافل العربية، ورأب التصدعات السابقة من خلال اتباع سياسة انفتاح سياسي واقتصادي واسع ومتبادل مع جميع الدول العربية.
وتزامن ذلك مع جولات دولية أخرى، في سياق انفتاح مدروس على عواصم القرار العالمي، وذلك من خلال الحضور للرئيس السوري أحمد الشرع وزيارة الرياض ولقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومن ثم زيارة فرنسا ومصر ومن ثم حضور اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، وتلاها لقاء آخر مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض بواشنطن، بهدف إعادة دمج سوريا في شبكات التعاون الدولي، بدءاً من رفع العقوبات وصولاً إلى إلغائها.
وعادت سوريا بخطى مدروسة إلى موقعها الدولي والعربي بعد عقود من العزلة، حيث سجلت الدولة السورية حضوراً لافتاً تمثل في مشاركة رفيعة المستوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمم اقتصادية دولية على هامشها، وصولاً إلى زيارة غير مسبوقة لوفد من مجلس الأمن إلى دمشق، إلى جانب زيارات دولية أخرى عكست تحولاً في نظرة المجتمع الدولي إلى دمشق، وأسهمت في إبراز إمكانية الانخراط على المستوى العالمي.
وترافقت هذه الزيارات في ختام العام مع رفع العقوبات، ولا سيما قانون قيصر الذي أنهك السوريين طوال خمسة عشر عاماً، وسبق ذلك حضور متزايد في المنتديات الاستثمارية الدولية، والمشاركة في اجتماعات مؤسسات مالية كبرى، وتنظيم معارض وملتقيات أعمال داخل سوريا وخارجها، في محاولة لإعادة تقديم البلاد كمساحة مفتوحة للشراكات وإعادة الإعمار.
ورغم استمرار التحديات، وعلى رأسها ملف استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، وتباين مواقف بعض الدول، فإن عام 2025 أبرز مقاربة دولية جديدة تتعامل مع سوريا كدولة تسعى لاستعادة موقعها، لا كساحة صراع فقط، ليشكل هذا العام محاولة عملية لإعادة تموضع سوريا سياسياً واقتصادياً، وسط توازنات إقليمية ودولية غاية في التعقيد.
وفي هذا السياق، يقول الباحث الكاتب والباحث السياسي، محمد هويدي إن عام 2025 كان عام تحول حقيقي، حيث تنامى الحضور الدبلوماسي السوري عبر الزيارات الخارجية والمشاركات في المحافل الدولية والإقليمية، ولا سيما اجتماعات الأمم المتحدة والقمة العربية في مصر، والتي جاءت ضمن مسار أوسع يهدف إلى استعادة سوريا لمكانتها الدولية والعربية بعد سنوات طويلة من الغياب والعزلة السياسية والحصار الاقتصادي.
ويضيف هويدي في حديثه لـ "إرم نيوز" أن هذا الحضور لا يمكن قراءته بوصفه نشاطاً بروتوكولياً فحسب، بل يعكس محاولة ممنهجة لإعادة تقديم سوريا كفاعل سياسي شرعي داخل النظامين الإقليمي والدولي، بعد مرحلة اتسمت بالتهميش وتراجع التمثيل وتقييد العلاقات الدبلوماسية.
ويوضح هويدي أن هذه التحركات جاءت في سياق إقليمي ودولي متغير، حيث أعادت العديد من الدول العربية والغربية تقييم سياستها تجاه دمشق، انطلاقاً من مقاربة واقعية ترعى اعتبار الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب وضبط تدفق اللاجئين، فضلاً عن ملفات الطاقة وإعادة الإعمار.
ويرى هويدي أن مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماعات الأمم المتحدة شكلت منصة أساسية لإعادة تثبيت الحضور السوري في إطار الشرعية الدولية، وإعادة فتح قنوات الحوار مع الفاعلين الدوليين.
وعلى المستوى العربي، أشار هويدي إلى أن حضور الرئيس الشرع القمة العربية حمل دلالات رمزية وسياسية بالغة الأهمية، إذ يعكس ذلك محاولة إعادة إدماج سوريا ضمن الفضاء العربي واستعادة دورها في الملفات الإقليمية المشتركة بعد سنوات أيضاً من القطيعة والانقسام حول الملف السوري.
واختتم هويدي حديثه بالتأكيد أن العام 2025 مثّل عام الانفتاح وإعادة سوريا إلى المنظومة العربية والدولية، ارتباطاً بتوازنات دولية ومرونة تجاه القضايا الخلافية في مسار إعادة تموضع سوريا ضمن الأسرة الدولية، مشيراً إلى أن هذا الحضور الدبلوماسي كان متجدداً ويمثل خطوة أولية في مسار طويل لإعادة التموضع السياسي، ويجعل الدبلوماسية السورية أداة لإدارة مرحلة انتقالية دقيقة.