يشهد العراق إقبالًا لافتًا على الترشح للانتخابات البرلمانية المُقبلة، حيث سجّلت مفوضية الانتخابات أكثر من 7 آلاف طلب ترشح، من مختلف الفئات، بينها شيوخ عشائر وضباط متقاعدون ورجال أعمال وصحفيون وفنانون.
وفتح ذلك الإقبال، الذي يُعتبر الأعلى منذ عام 2005، الباب أمام تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، بين من يراه مؤشراً على حراك طبيعي، ومن يعتبره مجرد بحث عن النفوذ والشهرة.
ويرى مختصون أن هذا العدد الضخم لا يعكس بالضرورة تفاعلاً مع الوضع السياسي، بل يكشف أزمة ثقة بالطبقة السياسية التقليدية، ورغبة قطاعات اجتماعية في الحصول على النفوذ عبر البرلمان.
وقال الباحث في الشأن السياسي علي ناصر، إن "أغلب المرشحين حالياً يبحثون عن الأموال، ومن يدفع أكثر، وهو ما اعترف به حتى قادة بعض القوائم، حيث انسحب ائتلاف النصر برئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بسبب هذه الظاهرة".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "الكثير من المرشحين يفتقدون الوعي السياسي، ويسعون فقط لاستغلال النفوذ والحصانة، بل إن بعضهم يترشح من أجل الوجاهة الاجتماعية أو تعزيز مكانته أمام العشيرة، من دون أن يمتلك برنامجاً إصلاحياً حقيقياً"، مبينًا أن "النفعية الذاتية أصبحت هي المحرك الأساسي، بينما غابت الرؤية الوطنية لإصلاح الواقع السياسي المأزوم".
ويشير مختصون إلى أن دخول فئات جديدة إلى حلبة الانتخابات لا يعني بالضرورة ضخ دماء جديدة في العملية السياسية، بل إن معظم هؤلاء المرشحين لم ينخرطوا في أي نشاط سياسي أو مجتمعي سابق، ما يجعل مشاركتهم أقرب إلى سباق شخصي نحو الشهرة.
ويعزو مراقبون ذلك إلى أن البرلمان تحوّل، في نظر كثيرين، إلى منصة لحماية المصالح وتوسيع النفوذ، أكثر منه مؤسسة لصناعة القوانين.
كما أن انخراط الضباط المتقاعدين وشيوخ العشائر في الانتخابات المقبلة قد يُعيد إلى الأذهان صورة "الزعامة التقليدية"، حيث يستخدم بعضهم القاعدة العشائرية أو الخبرة العسكرية وسيلة للوصول إلى البرلمان، بينما يفتقرون إلى الخبرة التشريعية أو القدرة على صياغة حلول للأزمات الاقتصادية والسياسية، لكن في المقابل، يعتقد آخرون أن هذه الفئات قد تضيف تنوعاً، لكنها في الغالب تفتقد العمق السياسي المطلوب.
كما دخل صحافيون وفنانون على خط السباق الانتخابي مستفيدين من شهرتهم وشبكاتهم الجماهيرية على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن تكون لديهم برامج سياسية متكاملة.
من جهتها، قالت النائبة السابقة في البرلمان العراقي شروق العبايجي إن "عدد المرشحين الكبير، الذي تجاوز 7 آلاف، يضم في غالبيته أشخاصاً من خارج الوسط السياسي، ومن دون خبرة أو سيرة ذاتية تؤهلهم للعمل البرلماني".
وأضافت لـ"إرم نيوز" أن "الأغلبية ينتمون إلى رجال أعمال يبحثون عن حماية مصالحهم عبر النفوذ السياسي، أو ضباط وموظفين بعيدين عن طبيعة عمل البرلمان"، مشيرة إلى أن "هذا الخلل أفرغ مجلس النواب من محتواه، وحوّله إلى مؤسسة غير فعالة فقدت ثقة العراقيين".
وتابعت العبايجي أن "غياب التمثيل الحقيقي والمرشحين المتمرسين جعل البرلمان أداة لتكريس مصالح ضيقة، بدلاً من أن يكون مؤسسة وطنية فاعلة، الأمر الذي انعكس على ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات الماضية، وقد يفاقم عزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع المقبلة".
ويؤكد مختصون أن هذه الظاهرة، إذا استمرت، قد تزيد من تراجع الثقة بالمؤسسة التشريعية، إذ ينظر الشارع إلى البرلمان على أنه عاجز عن مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فيما يزداد إحساس العراقيين بأن الانتخابات باتت مسرحاً للتنافس على المقاعد والمنافع الخاصة.