عصام العبيدي
تشهد الساحة السياسية الكردية في العراق، انقسامًا حادًّا تجاه ما حصل في سوريا، حيث يتابع الإقليم المستقل، تطورات الأحداث بقلق بالغ، خاصة بعد تلاشي الآمال بتأسيس "الدولة الكردية"، التي كانت تمتد في الرؤى من إيران مرورًا بالعراق وتركيا، وصولًا إلى سوريا.
ومع سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، تزداد التساؤلات حول مستقبل مكونات النسيج الاجتماعي في سوريا، ولا سيما المكون الكردي، الذي يحمل طموحات تاريخية تعيد تشكيل العلاقة بينه وبين الدولة السورية، فيما تتجه الأنظار إلى التغيرات التي قد تطرأ على خارطة التحالفات والتوازنات في جار العراق الغربي.
ويدعم الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة "آل طالباني" في السليمانية، قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ضمن تحالف إستراتيجي يهدف إلى تعزيز النفوذ الكردي في المنطقة، رغم أن هذا الدعم خلق حالة من التوتر مع الجارة تركيا، التي تعتبر "قسد" تهديدًا لأمنها القومي.
ويرى عضو الاتحاد الوطني الكردستاني، أحمد الهركي، أن "الظروف مهيأة لإقامة إقليم كردي في سوريا"، موضحًا أن "الكرد السوريين يمتلكون دعمًا قويًّا من الإدارة الأمريكية، التي تعتبر داعمة رئيسية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وهي جزء من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش".
وأضاف الهركي، لـ"إرم نيوز"، أن "الوقت الحالي يمثل فرصة ذهبية لإقامة إقليم كردستان سوريا، بهدف الحفاظ على الهوية القومية للكرد، مع ضمان تمثيل سياسي مناسب ومشاركة في إدارة الحكم داخل دمشق، على غرار ما حدث في العراق".
ولا يندفع إقليم كردستان بشكل رسمي، نحو دعم قوات سوريا الديمقراطية لإنشاء إقليم مستقل؛ بسبب التعقيدات التي تشهدها المنطقة، والتشابك الحاصل، كما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، يتمتع بعلاقات جيدة مع أنقرة، التي تعارض هذا المسار.
ويرى المحلل السياسي الكردي، هفال مريوان، أن "ما يحصل في سوريا مختلف تمامًا عن العراق، والحديث عن إقليم كردي هناك، مرهون بالظروف وتطورات الأحداث، وقبول الولايات المتحدة بذلك، وإقناع تركيا، بهذه الخطوة".
وأضاف مريوان، لـ"إرم نيوز"، أن "الأحداث منذ التغيير في سوريا، لا تتجه نحو إدارة ذاتية مستقلة، حيث هاجمت فصائل المعارضة السورية، مناطق نفوذ "قسد"، وهذا يوحي بوجود رغبة تركية بالسيطرة على هذه المناطق، عبر الفصائل التابعة لها"، مشيرًا إلى أن "التدخل الأمريكي ودعمه إقليمًا كرديًّا مرهون بجملة عوامل ربما لا تتوفر حاليًّا".
وبين أن "أبرز هذه العوامل تتضمن التوافق الإقليمي والدولي حول مستقبل الكرد في سوريا، وإمكانية التوصل إلى تفاهمات مع تركيا، بالإضافة إلى قدرة الكرد على تقديم نموذج سياسي وإداري مستقر ومقبول دوليًّا".
وعندما سقط نظام بشار الأسد، أبدى الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، موقفًا محايدًا، حيث قال رئيس الحزب، مسعود بارزاني، في بيان: "نأمل أن تؤدي هذه المستجدات والتغييرات في سوريا إلى اتخاذ الحوار والتفاهم أساسًا لحل القضايا الخلافية، وأن لا يُمارس أي سلوك ينتج عنه تعميق الخلافات القومية والطائفية بين مكونات سوريا".
ومع الخلافات الحادة، والتي تصل أحيانًا إلى المواجهة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال، فإن أربيل بقيت محافظة على مسافة وصلة معقولة مع قوات سوريا الديمقراطية، وذلك لاعتبارات قومية دون الانغماس فيها بشكل كبير، مراعاة لعلاقتها الوثيقة مع تركيا.
وبدوره، أكد مدير مركز "تاسك" للدراسات والبحوث، عثمان علي، أنه "من الأفضل لقوات سوريا الديمقراطية الآن الابتعاد عن حزب العمال، بصورة رسمية وعملية، ويشكلون إطارًا آخر، لإقناع الأتراك بمسألة الحكم الذاتي رسميًّا".
وأضاف علي، لـ"إرم نيوز"، أن "الأمر الآخر الذي يتوجب على قسد فعله، هو التخلي عن المناطق العربية التي سيطروا عليها، وتقديم قائمة مطالب ناعمة ومقبولة، ضمن الوضع الحالي، والابتعاد عن الشعارات المثيرة لقلق الأتراك، وعدم الانخداع بالدعم الأمريكي، باعتبار أن الولايات المتحدة وأوروبا لطالما استعملت الورقة الكردية لتحقيق مصالحهما".