بعد مرور ثمانية أشهر على سقوط نظام الأسد في سوريا، شهدت مدينة الحسكة، شمال شرق البلاد، حدثاً سياسياً لافتاً تمثّل في انعقاد مؤتمر "وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا"، بمشاركة ممثلين عن أطياف دينية وقومية.
وحضر المؤتمر ممثلون عن السنة والعلويين والدروز والسريان والتركمان والأكراد والإيزيديين والآشوريين والمسيحيين، في مشهد وطني نادر.
وقد تباينت ردود الفعل على المؤتمر بشدة، فبينما رآه البعض محاولة خطيرة لتكريس فكرة "تحالف الأقليات" وعرقلة مشروع بناء سوريا جديدة، اعتبره آخرون خطوة ضرورية لبلورة خطاب سياسي جامع، بعيد عن لغة الانتقام والاستعلاء، وقد يُشكّل بداية مسار سياسي بديل ينأى بالبلاد عن التفتت الطائفي الذي فُرض بعد سقوط النظام.
ورأت مصادر سورية أن الإدارة الذاتية "الكردية" تمكنت في يوم واحد من تحقيق ما فشلت فيه السلطات الأخرى طيلة الأشهر الماضية، عبر جمعها مكونات الشعب السوري تحت سقف واحد.
ووُصف مؤتمر الحسكة من بعض الأوساط بأنه نواة لبناء دولة ديمقراطية، سعى إلى ترسيخ مبادئ المساواة ورفض الطائفية والتطرف، والتأكيد على أن جميع السوريين متساوون في الحقوق والواجبات.
كما أن حضور الشيخ حكمت الهجري والشيخ غزال غزال، كممثلين عن السويداء والساحل، شكّل أحد أبرز مشاهد المؤتمر.
وبحسب مصادر محلية، فإن هذا الحضور لم يكن طارئاً، بل يعكس موقع رجال الدين في المشهد السياسي بعد سقوط حقبة النظام السوري السابق، في ظل غياب نخب سياسية قادرة على تمثيل الشارع، وهو ما يُعزى بدرجة كبيرة إلى "التصحر السياسي" الذي ورثه السوريون من عقود حكم عائلة الأسد.
وأثار الإعلامي نضال معلوف الجدل حين كتب عبر صفحته الشخصية: "أليس الأولى أن يُعقد هذا المؤتمر في دمشق وتقوده الأكثرية السنية تحت عنوان وحدة الموقف؟"، موجهاً منشوره إلى جمهور الرئيس أحمد الشرع، على حد تعبيره.
وأضاف معلوف أن المؤتمر لم يكن ممكناً دون توافقات دولية ضمنية، خصوصاً من الولايات المتحدة وتركيا وروسيا.
وكان البيان الختامي للمؤتمر أكد التزام المشاركين بمبادئ الوحدة الوطنية ورفض جميع أشكال الإقصاء والتفرد بالسلطة، والدعوة إلى بناء دولة ديمقراطية مدنية تحترم جميع المكونات، كما شدد البيان على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وعلى أهمية الحوار الوطني الشامل في بناء المستقبل.