اتسعت دائرة القلق والمخاوف في إسرائيل، مؤخراً، إثر تعاظم العلاقة بين إيران وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، الذي سيطر مؤخراً على العاصمة الخرطوم، وفقاً لما كشفت عنه هيئة البث الإسرائيلية.
وتراقب القيادة الإسرائيلية، بقلق وحذر، تحركات البرهان، بحسب هيئة البث، التي ذهبت إلى القول إن "البرهان، الذي انضم إلى اتفاقية أبراهام قبل 5 سنوات، شعر بخيبة أمل، لأن إسرائيل لم تساعده، فاتجه نحو إيران".
وكان السودان من الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار "اتفاقيات إبراهام"، إلا أن عملية التطبيع لم تسر على الطريق الصحيح عقب الأزمة الداخلية في السودان وانزلاقه نحو الحرب الأهلية.
وأشارت هيئة البث إلى أنه "كان هناك استياء في كثير من الأحيان من البرهان؛ لأن إسرائيل لم تقف إلى جانبه في حربه على قوات الدعم السريع التي يقودها نائبه (حميدتي) الذي كان أيضًا على علاقات مع إسرائيل"، حسب زعمها.
وذكرت الهيئة الإسرائيلية، في تقرير لها، أنه "خلال الحرب، جدد البرهان علاقاته مع إيران وحصل على مساعدات عسكرية منها. وتتواصل هذه المساعدات حتى يومنا هذا؛ ما يسبب قلقاً كبيراً في إسرائيل".
وبحسب التقرير العبري فإن "إيران مارست نفوذها في السودان حتى في عهد الرئيس السابق عمر البشير. وفي تلك الأثناء، حاولت طهران نقل الأسلحة عبر السودان إلى أذرعها المختلفة في الشرق الأوسط".
واستدلت الهيئة العبرية بمعلومات نشرتها، قبل نحو عام، وكالة "بلومبرج" مفادها أن "إيران زودت جنود البرهان بطائرات مسيّرة، وكان هذا في خضم الحرب الأهلية".
وأجرت هيئة البث حواراً مع مصدر مقرب من البرهان، للتعليق على تعميق التعاون بين الخرطوم وطهران، فقال: "سوف يضطر السودان إلى التعاون مع أي جهة ترغب في تزويده بالسلاح تحت غطاء الدعم المالي والتسليح".
وأضاف المصدر: "الآن هناك فرصة سانحة لكل من يرغب بمساعدة السودان سراً وعلانية. كنا نتوقع الحصول على هذه المساعدة من إسرائيل".
ورأى المصدر أنه "كان من الممكن أن تكون هذه فرصة ثمينة لإحداث انفراجة حقيقية في العلاقات مع إسرائيل، لكن ذلك لم يحدث، وباتت البلاد بلا مساعدات بعد أن تخلى عنها أصدقاؤها، فاتجهت إلى إيران التي استغلت تلك الفرصة".
وتابع المصدر حديثه قائلاً: "رغم أننا مترددون في الارتباط بهذا البلد (إيران)، إلا أننا من أجل مصلحة السودان سنتحالف حتى مع الشيطان"، على حد تعبيره.
روعي كايس المحلل السياسي في هيئة البث قال في تعليقه على علاقة قائد الجيش وإيران: "بهدوء، يعود البرهان الذي قاد تطبيع العلاقات مع إسرائيل سابقاً، إلى رأس السلطة، بعد الحرب ضد نائبه محمد حمدان دقلو، وقد حقق ذلك بفضل الأسلحة التي تقدمها له إيران، وإسرائيل ترى ذلك".
وأضاف كايس: "يزداد القلق في إسرائيل من تنامي دعم إيران للبرهان، الذي سيطرت قواته على العاصمة الخرطوم، للمرة الأولى، بعد استعادتها من دقلو، وهو تطور بالغ الأهمية"، حسب رأيه.
وتقول هيئة البث إنه "قبل أقل من 5 سنوات، كان البرهان، وبضغط أمريكي، مندفعاً نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن هذه العملية توقفت بسبب الوضع الداخلي في السودان، الذي تحول إلى حرب شاملة دامية مستمرة منذ عامين".
وتضيف الهيئة أن "البرهان شعر بخيبة أمل كبيرة من إسرائيل، التي على مدار العامين الماضيين، لم تتخذ موقفاً مؤيداً له ولم تقف إلى جانبه ضد قائد قوات الدعم السريع".
من جهتها، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن "البرهان جدد العلاقات الدبلوماسية مع إيران في يوليو/ تموز 2024، بعد قطعها في عام 2016. ومنذ ذلك الحين تلقى البرهان مساعدات عسكرية إيرانية بينما يخوض جيشه معارك ضد قوات الدعم السريع".
وقالت الصحيفة، إنه "يُعتقد أن السودان، الذي يعاني صعوبات اقتصادية، قد وافق على التطبيع بشكل أساس للخروج من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتلقي المساعدات المالية. وأدانت إيران في ذلك الوقت هذا التطور، متهمة السودان بدفع فدية للخروج من قائمة الإرهاب"، وفق الصحيفة.
وأوضحت الصحيفة أنه "كان مقرراً أن يشمل الاتفاق مع السودان أيضًا مساعدات واستثمارات من جانب إسرائيل، خاصة في مجالي التكنولوجيا والزراعة، بالإضافة لتخفيف أعباء الديون. وحينها، صرّح نتنياهو بأن إسرائيل سترسل قمحًا بقيمة 5 ملايين دولار للسودان. لكن العلاقات لم تتطور كثيراً، وبحلول 2023 انزلق السودان إلى حرب أهلية".
بالتوازي مع ذلك، كشف موقع "الراكوبة" السوداني نقلاً عن مصدر مطلع داخل الجيش قوله إن "البرهان كلف مدير مكتبه السابق الصادق إسماعيل بأن يكون مبعوثه الشخصي، بعد منحه رتبة فريق، خلال زيارة أجراها لإسرائيل، الأسبوع الماضي، في مهمة أحيطت بالسرية حتى انتهاء الزيارة".
وأضاف المصدر للموقع أن "مضمون الزيارة يتمحور في خطوطه العريضة حول التنسيق مع إسرائيل لتسويق البرهان لدى الإدارة الأمريكية الجديدة".
و"كلف البرهان مبعوثه بإيصال بضع رسائل لنتنياهو، الذي تم إبلاغه برغبة البرهان في إكمال خطوات التطبيع بين البلدين والترتيب للتوقيع على اتفاقية أبراهام مقابل نيل الدعم الإسرائيلي في المرحلة المقبلة"، وفق المصدر.
وبرر مبعوث البرهان التقارب الأخير مع إيران، والذي أزعج الحكومة الاسرائيلية، بقوله: "فرضته الضرورة على قائد الجيش في ظل العزلة والضغوط الإقليمية والدولية التي واجهها السودان منذ اندلاع الحرب، والحاجة الماسة للدعم العسكري النوعي من أي جهة لتحقيق النصر المنشود في هذه الحرب"، مؤكداً أن "البرهان وعد على لسان مبعوثه باستكمال أي التزامات او شروط تضعها تل أبيب في سبيل إتمام الاتفاق في أقرب وقت ممكن".
وأفاد مصدر آخر مقرب من قائد الجيش بأن "البرهان أوصل رسالته إلى إسرائيل حول شعوره بعدم التعاون في ظرف الحرب الدائرة منذ عامين، وأنه كان يتعشم في الحصول على أسلحة تمكنه من التغلب على قوات الدعم السريع منذ بدايات الحرب".
وبحسب المصدر، "يرى البرهان عدم وجود مبرر لإسرائيل في شعورها بالغضب من التوجه نحو إيران، إذ إنه فعل ذلك بسبب عدم تلقيه المساعدات العسكرية المرجوة من إسرائيل، التي بدأ معها اتفاقاً للتعاون قبل 5 سنوات".
وذكر المصدر أن "البرهان أكد لإسرائيل أنه كان يأمل في الحصول على هذه المساعدة في توقيت مهم للغاية كان من شأنه أن يسهم في تحقيق انفراجة حقيقية في العلاقات بين البلدين ويغير رأي كثير من السودانيين تجاه إسرائيل".