تتجه أنظار العالم اليوم نحو مجلس الأمن الدولي الذي يعقد جلسة مرتقبة للتصويت على مشروع قرار أمريكي يمنح التفويض القانوني لتشكيل قوة عسكرية أجنبية تدخل قطاع غزة، في خطوة توصف بأنها الأهم منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار بعد حرب استمرت عامين.
ووفق مراقبين، تدور خلف الكواليس معارك دبلوماسية صامتة ستحدد شكل القوة وصلاحياتها، وماهية الدول التي سترسل قواتها إلى واحدة من أكثر مناطق العالم اشتعالا.
إسرائيل تسعى لدعم صيغة تفويض واسع الصلاحيات لمحاصرة حماس وتفكيك سلاحها، وإعادة صياغة الواقع الأمني في القطاع، وفي المقابل تحذر أطراف دولية من أن أي تفويض مبالغ فيه قد يفتح الباب لمرحلة جديدة من الصراع بدلًا من تثبيت الاستقرار.
ويستطيع مجلس الأمن أن يمنح هذا التفويض وفق مسارين قانونيين مختلفين جذريا:
الأول تحت الفصل السادس (قوة حفظ سلام كلاسيكية)، تُنشأ بموافقة جميع الأطراف، وتمتلك صلاحيات محدودة للغاية، ويكون دورها حياديا يقتصر على المراقبة والتقارير والوساطة، ويُحظر عليها استخدام القوة إلا في الدفاع عن النفس.
الثاني: تحت الفصل السابع (قوة فرض سلام)، وهي لا تحتاج لموافقة الأطراف المتحاربة، وتستطيع فرض الأمن عبر عمل عسكري مباشر، ولها صلاحية حماية المدنيين، ونزع السلاح، وعمليات استباقية لمنع التصعيد.
ووفق مراقبين فإن اختيار مجلس الأمن بين هذين النموذجين لا يحدد فقط طبيعة المهمة، بل يحدد أيضا الدول التي ستكون مستعدة لتحمل المخاطر السياسية والعسكرية، كما أنه يشكل حلقة مركزية في المرحلة التالية من "مخطط ترامب"، الذي يروج له أميركيا باعتباره المسار الأكثر واقعية لإعادة إعمار غزة.
وفي ظل هذه التعقيدات، يرى أستاذ القانون الدولي عمران المحافظة إن القوة المقترحة لغزة وفق الخطة الأمريكية لا تتوافق مع القانون الدولي الذي يرفض استمرار وجود الجيش الإسرائيلي، ويعتبر وجوده على الأراضي الفلسطينية أمراً غير مشروع، ومنطقياً وقانونياً يجب أن تكون الحماية أولاً للمدنيين الذين تعرضوا ولا يزالون يتعرضون لأفعال ترقى إلى الإبادة، فالقانون يقر بأن المجرم يعاقب، والضحية تُحمى، وهذا هو الأساس القانوني والأخلاقي.
ويقول المحافظة في حديث لـ إرم نيوز: إذا كان الهدف الحقيقي من وجود تلك القوة هو حماية الفلسطينيين، وفي إطار واضح يضمن أمنهم وحقوقهم، فحينها فقط يمكن القول إن القرار يصبح متوافقاً مع القانون الدولي، كما يجب أن يكون أي قرار جزءاً من خطة دولية شاملة لإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية.
ويردف المحافظة إن القوة المقترحة والمبنية على خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة تشكل في جوهرها، قوة فرض سلام لصالح إسرائيل.
فيما يرى المحلل السياسي محمد الشياب أن جوهر النقاش يدور حول البندين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ إذ إن اختيار أحدهما يحدد مستقبل غزة بالكامل، فالتفويض تحت الفصل السادس يعني قوة مراقبة بلا تأثير فعلي، وهو ما تعتبره واشنطن وإسرائيل غير كافٍ؛ لأن هذا النموذج لن يمنع عودة التصعيد ولن يحقق هدف نزع السلاح، أما التفويض تحت الفصل السابع، فهو الخيار الذي تريده الولايات المتحدة؛ لأنه يمنح القوة الدولية صلاحيات عسكرية واسعة تضمن استمرار الضغط على حماس، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل مباشرة.
ويضيف الشياب في حديث لـ إرم نيوز: في وقت تشير القراءة السياسية فيه إلى أن التفويض الأمريكي سيخدم إسرائيل في نهاية المطاف؛ لأنه يفرض وصاية أمنية دولية على غزة، إلا أن مجرد فكرة وقف الحرب تعد مكسبا إنسانيا لا يمكن التقليل من شأنه، ويمثل الفرصة الوحيدة لبداية مسار جديد مهما كانت تعقيداته.
ووفق الشياب إن الخطر والأعمق لا يكمن في طبيعة التفويض فقط، بل في أن مشروع القرار الأمريكي يعيد تعريف الشرعية الدولية في الصراع، بتحويل غزة إلى ساحة تدار بمعادلات أمنية لا بمعايير العدالة وحق تقرير المصير
وكانت صحيفة "الغارديان" كشفت عن وثائق عسكرية أمريكية حول تقسيم غزة لمنطقتين: خضراء شرقي الخط الأصفر، لإعادة الإعمار تحت سيطرة قوات دولية وإسرائيلية، ومنطقة حمراء غربي الخط ذاته، تبقى مدمرة بلا خطط إعادة بناء، وهي التي يتوقع أن تزدحم بالفلسطينيين .
وفي الأيام القليلة الماضية، مارست الولايات المتحدة ضغوطا مكثفة لحشد التأييد للخطة، التي تنص كذلك على إنشاء مجلس السلام كهيئة حكم انتقالية لقطاع غزة برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.