تسود أجواء ترقب غير مسبوقة في العراق مع فتح صناديق الاقتراع للانتخابات العراقية أمام الناخبين، وسط حالة من الانقسام السياسي، وانسحابات مؤثرة، أبرزها غياب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر؛ ما جعل مراقبين يصفون هذا الاستحقاق بأنه "الأصعب" منذ عام 2005، من حيث تداخل التحالفات وتعقّد حسابات النتائج النهائية.
ويرى مختصون أن الخريطة الانتخابية تبدو مفتوحة على مفاجآت في ظل تنافس شديد بين القوى التقليدية من جهة، والتحالفات الجديدة التي تحاول استثمار الغضب الشعبي والتململ من أداء الحكومات السابقة من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في الشأن السياسي حسين الطائي أن "الانتخابات الحالية تجري في ظروف استثنائية ومعقدة، نظرًا للتغيرات في خريطة التحالفات السياسية، والتوجهات والانسحابات والانقسامات الأخيرة، وأبرزها عدم مشاركة التيار الصدري؛ ما سيؤثر بشكل واضح في نتائج التصويت وفي توزيع المقاعد البرلمانية المقبلة".

وأضاف الطائي لـ"إرم نيوز" أن "العراق قد يشهد مفاجآت على مستوى النتائج، خصوصًا في بغداد، التي ستتوزع فيها المقاعد التي كانت سابقًا من نصيب التيار الصدري بين أحزاب وتحالفات جديدة"، لافتًا إلى أن "الإطار التنسيقي (الأحزاب الممثلة للمكون الشيعي) قد يخسر عددًا من مقاعده بسبب شدة المنافسة، بينما تُسجل رغبة متزايدة لدى الشارع العراقي في منح الفرصة لتحالف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي لمس المواطن أثر مشاريعه في الإعمار والبنى التحتية، وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة.
وأشار إلى أن "جزءًا من الجمهور الرمادي سيتحرك للمشاركة، بنسبة قد تصل إلى 20%، من أصل قاعدة عريضة كانت مترددة في التصويت. وهذه الكتلة إذا ما تحركت باتجاه محدد، فإنها ستكون عنصرًا مؤثرًا في تحديد ملامح البرلمان القادم".
في المقابل، قدّم رئيس مركز الإعلام العراقي في واشنطن نزار حيدر قراءة أكثر تشاؤمًا، معتبرًا أن "هذه الانتخابات لن تشكّل أي تغيير في خريطة السلطة في العراق، وستكون على شاكلة سابقاتها؛ لأن قانون الانتخابات صُمم على مقاسات القوى السياسية التي تحكم البلاد منذ عام 2003”.
وقال حيدر لـ"إرم نيوز" إن "نتائج التصويت محصورة داخل دائرة الأحزاب الممسكة بالسلطة، فلا يستطيع أي مرشح مستقل أن يفلت من منظومة السيطرة الحزبية القائمة؛ لأن العمود الفقري للعملية السياسية لم يتغير منذ تأسيسها، فيما ما زالت التوافقات السياسية تسبق الدستور وتتحكم في توزيع المناصب".
وأوضح حيدر أن "النتائج ستنتهي كما في كل مرة إلى 3 كتل رئيسية – شيعية وسنية وكردية – تعيد توزيع المناصب على وفق المحاصصة التقليدية؛ رئيس جمهورية كردي، رئيس برلمان سني، ورئيس حكومة شيعي، مع تقسيم الوزارات والسفارات والهيئات بالمنهج نفسه"، مشيرًا إلى أن "أي تغيير محتمل قد يأتي فقط في حال قررت الإدارة الأمريكية التدخل بشكل مباشر في تشكيل الحكومة المقبلة، كما يُتداول في بعض الأوساط، وهو أمر لا يزال غير محسوم حتى الآن".
ووفق متابعين، فإن التحديات أمام الحكومة المقبلة ستكون مضاعفة مقارنة بالدورات السابقة، إذ تواجه البلاد أزمات متشابكة، في مقدمتها الجفاف والتصحر وتدهور الأمن الغذائي، إضافة إلى الأزمة المالية الناتجة عن تقلبات أسعار النفط، والعجز المزمن في الموازنة، إلى جانب احتدام المنافسة بين الكتل الكبرى على النفوذ داخل مؤسسات الدولة.
كما تبرز أزمات الأمن والسيادة في الواجهة مع استمرار التهديدات الإقليمية وملف الميليشيات المسلحة، فضلًا عن تصاعد الضغط الشعبي لإجراء إصلاحات إدارية واقتصادية ملموسة.