رفض رئيس المكتب السياسي للمجلس العسكري في الجنوب السوري، نجيب أبو فخر، أي تدويل للملف السوري، مؤكدًا أن العلاقة مع دمشق لا يمكن أن تُبنى من جديد إلا على أساس مصالحة وطنية شاملة تعيد الاعتبار للمواطنة.
وأضاف أبو فخر، في حوار مع "إرم نيوز"، أن التوترات الطائفية التي تمر بها السويداء كشفت حجم الخطر الذي يهدد النسيج السوري إذا استمرت لغة التكفير والتصنيف الطائفي.
وأوضح أن الاتفاق الذي تم توقيعه لإدارة السويداء ذاتيًا كان فرصة لتثبيت الاستقرار، لكن تجدد الاشتباكات على عدة محاور وضع هذا التفاهم في مهب الريح، وسط تصعيد من فصائل مسلحة تصفها القيادة بـ "الخارجة عن القانون".
وفي سياق متصل، اعتبر أبو فخر أن إعلان إسرائيل نيتها دعم الدروز في الجنوب لا يعكس تحولًا في السياسة بقدر ما هو استغلال للفراغ الأمني، مشددًا على أن المجتمع المحلي يرفض أي تدخل خارجي، ويصر على حل سوري خالص يُنهي الاحتقان ويحفظ وحدة البلاد.
هل يشير إعلان إسرائيل عن الانتشار في جنوب سوريا دعمًا للدروز إلى تحول في سياستها تجاه هذه المنطقة؟
أبو فخر: إن التصريحات الإسرائيلية بشأن الانتشار في جنوب سوريا "دعمًا للدروز" لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الجيوسياسي المعقد للمنطقة، خاصة في ظل تصاعد الاشتباكات في السويداء، وغياب حسم واضح لهذا الوضع.
وهذا الإعلان الإسرائيلي ليس مجرد موقف إنساني أو تضامني، بل يحمل في طياته أبعادًا استراتيجية، تتصل بإعادة التموضع الإقليمي لإسرائيل ومحاولة النفاذ إلى الفراغات الأمنية في خاصرة سوريا الجنوبية.
ورغم الرفض القاطع من السويداء، شعبيًا وقياديًا، لأي تدخل خارجي أو "تدويل للأزمة"، تحاول إسرائيل، كما يبدو، أن تستثمر الفوضى القائمة لتقديم نفسها كـ"حامية للأقليات"، وهي استراتيجية استخدمتها تاريخيًا لشرعنة تدخلاتها أو بناء قنوات نفوذ في مناطق متوترة، كما حدث في لبنان في الثمانينيات.
والتحرك الإسرائيلي اليوم لا يشير بالضرورة إلى نية تدخل عسكري مباشر داخل السويداء، بل إلى حالة استغلال سياسي وإعلامي للفراغ الأمني والضعف الرسمي، لكن الواقع على الأرض، داخل السويداء، يشي بوجود رفض حاسم لأي تدخل خارجي، وهذا يعني أن إسرائيل لا تغير سياستها بقدر ما تعدل تكتيكها تجاه الجنوب السوري.
بعد الاتفاق على إدارة السويداء ذاتيًا، وتجدد الهجمات من قبل فصائل خارجة عن القانون كما أسمتها القيادة السورية الجديدة، كيف يمكن العمل لإنهاء هذا الوضع، أم بات الاقتتال هو الذي سيحسم الأمور؟
أبو فخر: في ضوء المعطيات التي تشير إلى توقيع اتفاق لإدارة السويداء ذاتيًا من قبل عناصر شرطة سابقين وشخصيات محلية، بدا أن هناك توجهًا نحو التهدئة والاستقرار من خلال تسوية داخلية تراعي خصوصية المنطقة وطبيعتها الاجتماعية، غير أن تجدد الاشتباكات على ثلاثة محاور باستخدام أسلحة ثقيلة ليلًا، رغم الاتفاق، يكشف عن هشاشة التفاهمات المحلية وضعف قدرة الأطراف الراعية على فرض الانضباط أو ردع القوى الرافضة.
هذه التطورات قد تضع الاتفاق في مهب الريح، وتثير تساؤلات جدية حول مستقبل المنطقة إذا لم تكن محصنة بغطاء سياسي واضح وضمانات تنفيذ، فالفصائل التي وصفتها القيادة الجديدة بـ"الخارجة عن القانون" لا تتحرك في فراغ، بل يبدو أنها تملك دعمًا، أو على الأقل تغطية اجتماعية أو لوجستية، ما يجعل الحسم الأمني وحده خيارًا مكلفًا.
ولإنهاء هذا الوضع، لا يكفي التعويل على الحلول الأمنية أو العسكرية، بل لا بد من توسيع قاعدة الاتفاق ليشمل أطيافًا أوسع من المجتمع المحلي، بما فيها من يمكن التحاور معهم من الفصائل المسلحة.
أما في حال استمرار الانقسامات الميدانية وتدهور الثقة، فستتحول السويداء إلى ساحة اقتتال، لن تُحسم فيها الأمور لمصلحة طرف دون ثمن فادح يدفعه المجتمع المحلي بالدرجة الأولى، وبالتالي، فإن الخيار ليس بين "الحسم أو الاقتتال"، بل بين إعادة تشكيل التوافق المحلي أو الانزلاق إلى فوضى طويلة الأمد.
كيف أثرت التوترات الطائفية في السويداء على العلاقات بين الدروز والحكومة السورية؟
أبو فخر: إن التوترات الطائفية أثرت على العلاقة مع دمشق بشكل عام، وبين كل السوريين، فالتصنيف سواء كان "علويًا أم درزيًا أم كرديًا" إن كان على أساس طائفي أم قومي، بكل تأكيد يؤثر على النسيج السوري، لكن في حالة التكفير والمجاهرة به يصبح التكفير لغة منتشرة، حتى يُشتبه أنه أصبح لغة الشارع، لكن لولا أن علاقتنا كسويداء مع أهلنا السوريين أقدم من هذه التنظيمات التي أدخلت هذه اللغة إلى الداخل السوري، لاعتقدنا أن كل المحيط هكذا.
كلنا ثقة أننا وإخواننا في سوريا من كل الطوائف نشبه بعضنا بعضًا، ولا اختلافات بيننا، ونعلم أن هذه اللغة دخيلة، لذلك نحن في السويداء قررنا مواجهتها، وسنقف حائط صد ورأس حربة في وجهها، ومطلبنا من كل السوريين أن يضعوا هذه النزاعات خلفهم، لكن تم السكوت على لغة التكفير هذه، وتم اعتبارها أنها عادية لأن الناس محتقنة منذ 14 سنة حرب.
لذلك، نحن في السويداء لا نستطيع أن نجامل في هذا الأمر، وكان من الضروري وضع حد لهذا الأمر، وربطنا علاقتنا بدمشق حتى للمستقبل بمسألة التوصل لمصالحة وطنية شاملة على أساس المواطنة، وهذه المصالحة إن لم تبدأ من اليوم، فإن هذا يعني أن كل فئة تقوقعت وحدها، فالموضوع لا يتعلق بفئة محددة، بل بأمان كل السوريين، وإذا تم الهجوم على الدروز واشتعل الفتيل الإقليمي، فستذهب البلاد كليًا بغير اتجاه.
لهذا السبب يجب تخفيف الاحتقان الطائفي؛ لأنه لن يجلب نتيجة إلا إذا تم التخلص منه كليًا، وتم اجتثاثه من جذوره، وهذا ما نريده عبر جلسات الحوار الدائمة وعبر جولات وتوجيهات، وكل ما يمكن أن يفيد بنزع هذا الفتيل هو مفيد للجميع.