عامان من الحرب الإسرائيلية على غزة التي بدأت بهجوم من حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، ضمن خطة متكاملة وليس عملية خاطفة، ليتحول الأمر إلى عدوان إسرائيلي لا يهدد قيادات أو عناصر الحركة فقط، ولكنه لا يرى إلا سكان القطاع ليحولهم إلى إشلاء، عبر غارات لأكثر من 24 شهرا.
العديد من التداعيات والنتائج في حرب مدمرة عملت إسرائيل فيها على إعادة هيكلة الجغرافيا ليس في غزة فقط ولكن في المنطقة برمتها، إلى جانب ما ارتكب بحسب خبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" من "خطأً غير محسوب المخاطر" من حماس، ليحتم الواقع ضرورة خروج الحركة من مشهد الحكم في القطاع، على أمل وقف الإبادة وعرقلة تغيير الوضع الديموغرافي الفلسطيني.
وتمثلت ملامح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الراهنة، بوقف فوري لإطلاق النار، وصفقة لتبادل الرهائن، ونزع سلاح حماس تدريجيا أو كليا، وانسحاب مرحلي لإسرائيل من بعض المناطق، وإقامة إدارة انتقالية دولية تتولى إدارة القطاع وإعادة إعماره، فيما تبقى المخاوف في الثغرات مع التنفيذ.
إعادة هيكلة الجغرافيا
تقول الباحثة السياسية الفلسطينية، الدكتورة تمارا حداد، إن تل أبيب حاولت استغلال حدث 7 أكتوبر لمصلحتها من أجل إعادة هيكلة الجغرافيا ليس في قطاع غزة فقط، بل في المنطقة برمتها.
وأوضحت في حديث لـ"إرم نيوز" أن ما قامت به حماس كان "خطأً غير محسوب المخاطر"، أدى إلى كارثة إنسانية على المواطنين الفلسطينيين، تمثلت في أزمة حادة بنقص المياه والغذاء والدواء، واصفة بعض أساليب القتال التي استخدمتها إسرائيل بأنها تضمنت انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، واتهامات خطيرة تستدعي التحقيق.
وأكدت حداد أهمية المرحلة الحالية مع إعلان ترامب لخطته التي تضمنت 20 بندا لوقف الحرب وإعادة إعمار غزة، ليكون رد حركة حماس بالقبول والذهاب إلى مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل في القاهرة، مشيرة إلى ضرورة أن تتخذ الحركة قرارا يخرجها من المشهد عبر ترتيب فلسطيني-عربي منسق، لتقديمه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحيث يضمن الموقف الأمريكي مستقبلا وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي.
أمل وقف الإبادة
وحذرت من أنه إذا بقيت الحركة متمسكة بقرارها بشكل منفرد، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية ستستمر، والتصعيد سيزداد، والتهجير سيبقى قائما، لافتة إلى أن ما قامت به الحركة في هجومها المفاجئ في السابع من أكتوبر كان "أكبر خطأ" أشعل حربا واسعة دفعت إسرائيل إلى عمليات قاسية في غزة أسفرت عن مأساة إنسانية استمرت لعامين متواصلين.
واعتبرت حداد أن المقترحات المطروحة حاليا مهما كانت، فإن القرار النهائي سيخرج من "حماس"، وهي تتحمل المسؤولية الكاملة عما يحدث للمدنيين في القطاع، خاصة أن مسؤوليتها اليوم تتمثل في إخراج قرار متوازن وملائم للفترة الراهنة، يوقف الإبادة التي تحدث في وقت يأمل الجميع في ذلك، وفي الوقت نفسه، تقبل بإنهاء وجودها في حكم غزة حتى لا تبقى ذريعة لاستمرار الحرب.
علامات استفهام
فيما يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هجوم 7 أكتوبر كان مفاجئاً للجميع، لكنه بدا مخططا من جانب حركة حماس قبلها بفترة، وهو ما ظهر لاحقا من استعدادات لوجستية، وأدوات دخول، وحتى التغطية الإعلامية، في وقت لم يدرك فيه من اتخذ القرار داخل الحركة، أن إسرائيل ستستغل ذلك كذريعة لتنفيذ أهم مخطط تسعى إليه، وهو تغيير الوضع الديموغرافي الفلسطيني.
وبين مطاوع في حديث لـ"إرم نيوز" أن تأخر الرد الإسرائيلي أكثر من خمس ساعات وقتئذ، أتاح لعناصر الحركة العودة إلى قطاع غزة ومعهم رهائن، مما وضع علامات استفهام بشأن تأخر الرد، إضافة إلى المفارقة المتمثلة في غياب الدفاعات الإسرائيلية، وهو أمر لم يفسر حتى الآن.
وأوضح أن ما ظهر لاحقا في بعض التحقيقات جاء بعلامات استفهام داخل إسرائيل، فقد وجهت اتهامات لبنيامين نتنياهو بالتواطؤ، لكن هذه قضايا ستكشفها لجان التحقيق لاحقا، في ظل إصراره حتى الآن على عدم تشكيل لجنة تحقيق.
ولفت مطاوع إلى أن تل أبيب في الفترة الأولى من الحرب ركزت على تدمير البنى التحتية بشكل كامل، وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، فضلا عن استخدامها أسلحة أمريكية وإسرائيلية جديدة كتجربة أولى في قطاع غزة، إلى جانب إدخال الذكاء الاصطناعي في عمليات القتل وتحديد الأهداف واتخاذ القرار.
وأكد أن إسرائيل ركزت خلال المرحلة الأولى على قتل المدنيين وتدمير مساحات واسعة من البنى التحتية، وتحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة، وإدخال الفلسطينيين في هندسة اجتماعية ونفسية تؤثر على قراراتهم المتعلقة بالبقاء في اليوم التالي للحرب، وهو ما نجحت فيه دولة الاحتلال حتى الآن.
بيئة تشجع على الهجرة
وأضاف أن الأمر الثاني تمثل في قدرة إسرائيل على تصفية الصف الأول من القيادات السياسية والعسكرية في قطاع غزة، إلى جانب تنفيذ اغتيالات في الخارج، ومن بينها إسماعيل هنية وصالح العاروري، في وقت تمتلك فيه معلومات كاملة عن "حماس"، لكنها لم تفعل ذلك في البداية بشكل مباشر، لأنها كانت تسعى إلى تدمير وإطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة.
وأشار إلى أنه بعد انتهاء الهدنة في مارس الماضي، ركزت إسرائيل بشكل أكبر على الهياكل الإدارية والحكومية والعسكرية لحماس، وهو ما أضعف الحركة بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، مؤكدا أن الهدف الأساسي لإسرائيل كان منذ البداية استغلال هذه الحرب لخلق بيئة تشجع على الهجرة من فلسطين.
اتفاق نتنياهو وترامب
وتابع مطاوع قائلاً إن نتنياهو اتفق مع ترامب، قبل فوزه بالرئاسة عندما كان لا يزال مرشحا، على ألا يقدم أي هدنة أو إنجاز لبايدن، حتى يستمر الغضب من جانب الجالية العربية والإسلامية ضده في الولايات المتحدة، وبالتالي حجب الأصوات عنه، الأمر الذي أسهم كثيرا في انتخاب ترامب ونجاحه خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وأوضح أن خطة ترامب تضمنت ربما جانبا إيجابيا وحيدا يتمثل في وقف القتل والتهجير والضم، ولو لفترة زمنية مؤقتة، مؤكدا أن هذا الإيقاف سيسهم في صمود الشعب الفلسطيني، في حين أن استمرار الحرب تحت أي مبررات كان هو المكسب الأساسي لنتنياهو، الذي يقترب بذلك من تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين.
"خيارات الفلسطينيين وتحكيم العقل"
أما على الجانب الآخر، فقد شدد مطاوع على أن أهم ما في حرب غزة هو أن حركة حماس خسرت بشكل أساسي قاعدتها الشعبية في قطاع غزة، حيث يسود غضب كبير ضدها، وهو ما بدا واضحا، مؤكدا أن حماس لم تصمد أمام هذا الغضب، وأن نهاية الحرب واليوم التالي سيكون جزءا منه نهاية الحركة فعليا، وهذا ليس مبالغة أو تضخيما إعلاميا، على حد قوله.
وأضاف أن الناس اكتشفوا واختبروا الشعارات التي طالما رفعتها حركة حماس على مدى سنوات طويلة، ليتضح أنها مجرد شعارات بلا تطبيق واقعي على الأرض، كما شاهدوا انهيار "حزب الله"
والضربة الموجهة لإيران، ما كشف لهم الفارق الكبير بين الشعارات والواقع.
وتابع أن هذا الوعي الجديد قد يغير في طريقة تفكير الفلسطينيين مستقبلا، وهو أمر إيجابي، لأنه سيدفع إلى اتخاذ قرارات قائمة على العقل والحسابات الواقعية، بعيدا عن العاطفة، بما ينعكس إيجابيا على خيارات الفلسطينيين في المستقبل وتحكيم العقل.