ضجت الأوساط العراقية خلال الساعات الماضية بعد الكشف عن سحب مبالغ ضخمة من صندوق الرعاية الاجتماعية بطريقة غامضة، أثارت مقارنات واسعة مع ما عُرف سابقاً بـ"سرقة القرن".
وفي مقابلة تلفزيونية، صرح وزير العمل، القيادي في الفصائل المسلحة، أحمد الأسدي، بأنه تفاجأ بسحب 2.5 تريليون دينار (قرابة ملياري دولار) من صندوق الرعاية الاجتماعية دون علم الوزارة، وإن وزارة المالية ومصرف الرافدين "يتقاذفان المسؤولية بشأن الجهة التي قامت بالتصرف بهذه الأموال".
وأوضح أن "الوزارة رفعت شكوى رسمية إلى القضاء، وأن كل جهة تُحمّل الأخرى مسؤولية عملية السحب، في حين تنتظر الوزارة قرار المحكمة لكشف الحقيقة".
أشار الأسدي إلى أن "موجودات الصندوق كانت قد ارتفعت من 400 مليار دينار إلى أكثر من 2.5 تريليون دينار، لدعم الفئات الهشّة، قبل أن تُفاجأ الوزارة باختفاء تلك الأموال بطريقة غير مفهومة".
وبعد ساعات على انتشار تصريحات الوزير، سارعت وزارة العمل إلى إصدار بيان أوضحت فيه أن "ما جرى تداوله ينطوي على تفسيرات غير دقيقة، وأن رصيد الصندوق مثبت بالكامل في حسابات الوزارة ولا يمكن التصرف به خارج الأطر القانونية".
وبينت أن "حديث الوزير كان مرتبطاً بمشكلة في السيولة المصرفية وليس بفقدان للأموال، لكن المبالغ مثبتة رقمياً، ومصرف الرافدين أكّد ذلك رسمياً في كتاب موجّه للوزارة".
وزارة المالية ردّت بلهجة مختلفة، معتبرة أن التصريح المتلفز تضمّن "معلومات غير دقيقة"، وموضحة أن المبلغ لم يُسحب بل "جُمّد الحساب فقط".
وقالت إن "الحساب الجاري الخاص بشبكة الحماية الاجتماعية يمول مركزياً منذ عام 2015، وإن وزارة العمل لم تتابع أرصدته بشكل صحيح رغم وجود مبالغ مودعة خارج طبيعة الحساب".
وأضافت أن "عمليات التدقيق المالي والفني كشفت عن استخدامات لا تنسجم مع طبيعة الحساب، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن الأموال لا تزال موجودة ولم تسحب".
من جانب آخر، أصدر مصرف الرافدين بياناً أكد فيه أن الأرصدة موجودة بالكامل، وأن رصيد حساب شبكة الحماية الاجتماعية يبلغ 2.495 تريليون دينار، في حين يبلغ رصيد حساب صندوق هيئة الحماية 390 مليار دينار فقط.
ونفى المصرف أن يكون قد نفذ أي عملية سحب دون تخويل أصولي، مؤكداً أن دوره يقتصر على تنفيذ أوامر الصرف الرسمية وأنه لم يتلق أي طلب يتعلق بتحويلات أو استثمارات تخص هذه الحسابات.
وفي المقابل، اعتبر نواب ومراقبون أن القضية قد تتحول إلى "أكبر عملية سحب غير مبرر" لأموال الفئات الهشة إذا ثبت وجود تصرف فعلي خارج السياقات القانونية، في حين رأى بعض المختصين أن ما يحدث يكشف خللاً مزمناً في إدارة الحسابات الحكومية وغياب الشفافية في حركة الأموال.
كما تساءل إعلاميون عن مصير الصناديق المالية الأخرى في الدولة، محذرين من تكرار سيناريوهات “الخروج الآمن للأموال” قبل تغيير الحكومات.
وأعادت هذه القضية إلى الواجهة ملف "سرقة القرن" الذي لا يزال حتى اليوم أكبر فضيحة فساد مالي شهدها العراق في مرحلة ما بعد 2003، بعدما جرى الاستيلاء على أكثر من 3 تريليونات دينار من الأمانات الضريبية عبر شبكة من الشركات والموظفين والمتهمين، الذين استغلوا ضعف الرقابة وتواطؤ بعض الدوائر الحكومية بين عامي 2021 و2022.
وسحبت تلك الشبكة الأموال من حسابات الهيئة العامة للضرائب عبر 247 صكاً صرفت، ثم سحبت نقداً خلال أشهر قليلة، قبل أن يفر أغلب المتهمين خارج البلاد، بينما ظلّت عملية استرداد الأموال محل جدل واسع وتدقيق مستمر.