أثارت الاحتجاجات التي شهدتها مدن ليبية، مطالِبة بإنجاز انتخابات رئاسية فورية، تساؤلات حول قدرة الضغط الشعبي على دفع الفرقاء إلى تنظيم هذا الاستحقاق.
وشهدت مناطق مثل الكفرة والجوف الغربي احتجاجات حاشدة، فيما انضمّ مجلس النواب الليبي إلى الدعوات المنادية بتنظيم انتخابات رئاسية.
واعتبر المحلل السياسي الليبي، الدكتور خالد محمد الحجازي أن "المظاهرات جاءت هذه المرة بحجم وزخم لافتين، إذ خرج آلاف الليبيين في الشرق والجنوب والغرب تعبيراً عن رفضهم لاستمرار المرحلة الانتقالية، ومطالبتهم بتحديد موعد واضح وحاسم للانتخابات".
وأضاف: "الأهم أن هذه التحركات الشعبية لاقت صدى لدى بعض مؤسسات الدولة، حيث دعا رئيس البرلمان إلى التنفيذ الفوري للقانون الخاص بالانتخابات الرئاسية".
واعتبر أن صوت الشارع يعبّر عن الإرادة العامة، كما أعلنت الحكومة المكلّفة دعمها للتسريع في تنظيم الاستحقاق الانتخابي، وهذا التفاعل الرسمي يعكس أن الضغط الشعبي بدأ بالفعل يؤتي ثماره ويدفع الأطراف السياسية إلى التحرك".
واستدرك الحجازي بالقول: "لكن رغم هذه الإشارات الإيجابية، يبقى الواقع معقّداً. فالانتخابات في ليبيا تستند حالياً إلى الإعلان الدستوري المؤقت باعتباره المرجعية العليا في ظل غياب دستور دائم، إضافة إلى القوانين المنظمة التي تعتمدها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات".
غير أن الخلافات العميقة بين المؤسسات المتنافسة حول القاعدة الدستورية، وصلاحيات الرئيس المقبل، والجهة التي تشرف فعلياً على العملية الانتخابية، تظل عائقاً أساسياً أمام أي خطوة تنفيذية".
وشدد في تصريح لـ"إرم نيوز" على أن "المشهد الأمني بدوره يزيد التعقيد؛ فوجود تشكيلات مسلحة ونقاط توتر في مدن مختلفة يجعل ضمان انتخابات نزيهة وموحدة أمراً ليس سهلاً. كما تخشى بعض الأطراف السياسية من خسارة نفوذها، ما قد يدفعها إلى عرقلة العملية أو رفض نتائجها في حال جاءت على غير رغبتها".
وأكد الحجازي أن "الضغط الشعبي، رغم التعقيدات السياسية، قد يشكل بالفعل نقطة تحول مهمة، لكنه ليس كافياً وحده لتغيير المشهد. فنجاح الانتخابات يتطلب توافقاً سياسياً حقيقياً، وإطاراً قانونياً مستقراً، وبيئة آمنة، وإرادة جادة من كل الأطراف".
وتابع أنه "مع ذلك، يبقى صوت الشارع اليوم هو العامل الأكثر تأثيراً في تحريك المياه الراكدة وفتح الباب أمام انتخابات قد تشكل بداية جديدة لليبيا".
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي، حسام الفنيش، إن "المظاهرات المقتصرة حتى الآن على مدن في الشرق الليبي تضيف طبقة جديدة من التعقيد على مشهد الانتخابات في البلاد، خاصة مع السؤال عن أي قوانين يمكن أن تُجرى بموجبها انتخابات رئاسية دون إطار قانوني ودستوري واضح ومتفق عليه.
وأوضح أن المظاهرات "تأتي في لحظة شديدة الحساسية وترفع شعار الذهاب إلى انتخابات رئاسية، بينما يصدر في الوقت نفسه بيان عن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يدعو فيه إلى انتخابات رئاسية فقط، متجاهلاً الاستحقاق البرلماني وتجديد الشرعية التشريعية، وكأن الأزمة تختزل في رأس السلطة لا في بنيتها الكاملة"، وفق تعبيره.
وتابع الفنيش في تصريح لـ"إرم نيوز" أن "هذا التوجه يتقاطع مع حسابات أطراف محلية ترى في الفصل بين المسارين فرصة لإعادة تشكيل قمة هرم السلطة وفق ميزان القوى القائم، مع تأجيل أو تجميد إعادة إنتاج السلطة التشريعية بما يمنحها الاستمرار في البقاء.
وأضاف "هكذا تتحول الانتخابات من استحقاق شامل لإعادة ترتيب مؤسسات الدولة إلى أداة لإعادة توزيع المواقع داخل البنية المتصدعة نفسها"، وفق وصفه.
وبيّن أن "خارطة الطريق الأممية تبدو في المقابل أكثر اتساقاً من الناحية العملية والسياسية؛ فهي لا تنطلق من فكرة الانتخابات الرئاسية المعزولة، بل تستهدف الوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية معاً أو ضمن مسار واحد مترابط على أساس قاعدة دستورية وإطار قانوني توافقي".
هذا المسار الأممي حظي خلال الأشهر والأيام الأخيرة بدعم دولي وإقليمي متزايد، وأصبح أكثر وضوحاً بعد صدور بيان الدول العشر المؤثرة في الملف الليبي، والذي كشف بجلاء أن جانباً كبيراً من الإشكال الليبي ذو طابع جيوسياسي بدأ يتجه نحو حل العقدة، وأن ليبيا بدأت تتحول من حالة تنازع نفوذ إلى اتجاه تدريجي نحو توافق إقليمي ودولي يهدف في النهاية إلى إنهاء حالة الفراغ عبر انتخابات".
ولفت الفنيش إلى أن "هذا التطور في الموقفين الدولي والإقليمي يمنح خارطة الطريق الأممية وزناً إضافياً، ويجعل الالتزام بها أكثر من مجرد خيار سياسي داخلي غير مكتمل وغير توافقي، بل شرطاً واقعياً لإنتاج مسار انتخابي قابل للتنفيذ والاعتراف".
وأشار إلى أن "الانتخابات التي تُنظَّم خارج هذا الإطار، وبمعزل عن قاعدة دستورية متوافق عليها وترتيبات مؤسسية مسبقة لمؤسسات موحدة، وترتيبات عسكرية وأمنية للانتخابات، تبقى مهددة بالطعن في شرعيتها أو بالتعطيل عند أول منعطف".